غير أننا نفاجأ في عام 1975م ومعركة المصير لم تزل قائمة ضد الإمبريالية والصهيونية ومعركة التنمية لم تزل محتدمة، بل تزداد احتداما تحت وطأة اليمين - الذي قال الدكتور إنه يريد للبلد ردة كاملة - نقول إننا نفاجأ بالدكتور وهو يركز النيران على «التجربة» بأشد مما يركزها على اليمين، وكذلك يفعل باليسار المصري ولنا هنا أن نسأله أليس هذا ترفا لا تتحمله البلاد ولا تتحمله الوحدة الوطنية؟
ولكن سنمضي مع الدكتور في مقاله، وسوف نرى أنه عندما يصل إلى الكلام «عن الأسس الأولى للطريق الاشتراكي» يقدم نظرية أو رؤية تناقض رؤيته الحالية تماما.
ففي عام 1970م، كان لا يزال يرى أن غالبية الشعب الساحقة لم تأخذ شيئا من خيرات الثورة التي فجرها عبد الناصر، وفي ذلك الوقت حاول في مقاله أن يشرح ولا نقول يبرر كيف حدث هذا. قال الدكتور: «... إن الفكر في عهد التغيير الاجتماعي السريع، ما بين 1952م، حتى وقتنا الحاضر (1970م) لم يكن هو الذي يصنع الحوادث، بل كانت الحوادث هي التي تصنعه.»
ثم فسر ذلك بقوله: «إن أحدا لن ينكر أن تلاحق الأحداث، في الفترة السابقة، لم يدع لمجتمعنا فرصة كبيرة لتطبيق المبادئ التي اهتدى إليها حديثا، وكانت المؤامرات والمعارك الخارجية هي العامل الأول الذي أدى بنا إلى تكريس القدر الأكبر من جهدنا من أجل طرح المبادئ نفسها، ووضع أسس التغيير الذي تستلزمه، أما إخراج هذه المبادئ إلى حيز التنفيذ فلم يكن الوقت يتسع له، ولم تكن الظروف تسمح به.»
ثم يضيف أن: «التحدي الذي يفوق كل ما عداه في هذه المرحلة هو مواجهة مؤامرات دعاة الارتداد والتراجع أولا، ثم الانتقال بالمبادئ الجديدة من مرحلة الدعوة النظرية إلى مرحلة التطبيق العملي.»
هنا تقول لنا رؤية الدكتور في عام 1970م: لا تلوموا النظام إذا كان لم يشرع في تطبيق المبادئ الاشتراكية، واكتفى بإرساء أسسها، فلقد فعل هذا تحت ضغط ضرورات موضوعية: تلاحق الأحداث والمعارك التي فرضها الأعداء على البلاد، ولكن إذا جئنا إلى عام 1975م، فسوف نرى أن الدكتور يحاسب نظام عبد الناصر - حساب الملكين - على التطبيق الاشتراكي الخاطئ والمشوه والمنحرف ... إلخ. فأي الرؤيتين هي الصحيحة؟
عبد الناصر وضع الأسس ولم يطبق؟ أم أن عبد الناصر تورط وقطع شوطا طويلا في تطبيق سليم؟
وعندما يجيبنا الدكتور على هذا السؤال، فإننا نتوقع أن تكون الإجابة - من باب الأمانة على الأقل - نوعا من النقد الذاتي وليس نوعا من التبرير الذي طالما عودنا عليه في بعض كتبه وكتاباته، على أننا نقول له إنه ليس على الإنسان من حرج إذا اختلطت عليه الأمور، فرأى - مثلا - في عام 1970م أسسا للاشتراكية توضع وتثبت، ورأى «امتلاء» و«خصبا» و«ازدهارا» في الفكر ينبغي ترشيدها حتى لا تنقلب فوضى فكرية تهدد الأسس الأولى للطريق الاشتراكي، ثم عاد - في 1975م - ليرى أنه كان وهما ما حسبه حقيقة.
على أية حال، نعود إلى مقاله لنرى إلى أي ختام ينتهي.
فبعد أن يحلل الدكتور اتجاهات وأهداف الأعداء الإمبرياليين والصهيونيين، وبعد أن يوضح أن أغراض العدو الرئيسية من عدوانه الأخير على بلادنا أن يعوق نمونا حضاريا وعلميا واقتصاديا، يحدد المهام الملقاة على عاتق جميع الوطنيين، فيدعوهم إلى حل هذه المعادلة الصعبة. «ألا وهي حشد الجهود من أجل معركة المصير من جهة، وعدم إعطاء العدو فرصته الذهبية التي يحلم فيها بتوقف نمونا من جهة أخرى.»
نامعلوم صفحہ