فابتسمت وأشارت بسبابتها إلى قدميها، فنظر إلى قدميها فإذا هي قد رصعت خفيها بالجواهر، فأعجب بترفعها وبذخها. وهي أول من لبس الخفاف المرصعة.
وكان الأمين يمشي بجانب والدته لا يدري إلى أين تسير به، فقطعت الدهليز وبلغت إلى درجات صعدت عليها وهو يتبعها، حتى مرت من دهليز آخر إلى القاعة التي ذكرناها، فلم يبهره ما هنالك من الفراش الثمين، ولكنه دهش لشيء آخر لم يكن قد رآه من قبل. ذلك أنه لما أطل على القاعة تزايدت رائحة المسك، ورأى عند مدخلها صفين من الجواري الحسان على رءوسهن العمائم وقد سوين شعورهن على أشكال الطرر والأصداغ والأقفية، ولبسن الأقبية والقراطق والمناطق من الذهب والفضة؛ فبانت قدودهن وبرزت صدورهن على شكل غريب، وفي أيدي بعضهن جامات المسك،
الآخر قوارير الطيب، فلم يتمالك الأمين عند مشاهدة ذلك المنظر عن الدهشة والإعجاب، وأمه تتماسك عن الضحك، فالتفت إليها فضحكت، فقال: «ما هذه الملابس يا أماه؟ أراك قد جعلت هؤلاء الجواري غلمانا.»
فقالت: «فعلت ذلك تشبها بك يا ولداه؛ رأيتك اتخذت الغلمان وبالغت في تزيينهم كأنهم من الجواري الحسان، فاتخذت هؤلاء الجواري أقلد بهن الغلمان، كما ترى، وقد سميتهن الجواري المقدودات،
1
وسأبعث بهن هدية إليك.»
فسر الأمين بتلك الهدية. وكانا قد وصلا إلى مجلس معد لهما على سرير من الأبنوس في صدر القاعة محلى بالذهب، فجلست زبيدة فوقه على وسادة من الخز المزركش محشوة بريش النعام،
الأمين إلى جانبها وهي تنظر إليه ولا ترتوي من رؤيته، ثم أشارت إلى من كان هناك من الجواري والغلمان فانصرفوا.
الفصل السادس والثلاثون
المشورة والحيلة
نامعلوم صفحہ