قالت: «دعني أقص عليك ما رأيته رأي العين في غروب هذا النهار.»
فتطاول لسماع حديثها فقالت: «كان الوزير جالسا عصر هذا النهار في غرفته الخاصة من قصره، والخدم والجواري يشتغلون بشئونهم إلا أنا؛ فقد كنت حريصة على مراقبة من يدخل أو يخرج، فرأيت يحيى بن عبد الله العلوي المذكور داخلا وحده دخول المتلصصين، وليس معه أحد من الحاشية، فعلمت أنه جاء خلسة، فراقبت طريقه فرأيته قد دخل على الوزير، وجلسا في الغرفة وليس معهما ثالث، فعلمت أنهما لأمر ما اختليا هناك، فدرت من ناحية أخرى إلى غرفة، بينها وبين هذه باب مقفل، يمكن مشاهدة الذين بداخلها من بعض ثقوبه، فوقفت هناك فرأيت العلوي لما دخل وقف له الوزير، ورحب به، وأجلسه إلى جانبه، وبش له، وأمر الخادم أن يقفل الباب عليهما. فلما استقر بهما الجلوس سأله الوزير عن حاله في الحبس، فبكى وشكا إلى أن قال: «اتق الله يا جعفر في أمري، ودبر طريقة لإطلاق سراحي، فوالله ما أحدثت حدثا يوجب الحبس.» فما فرغ العلوي من قوله حتى رأيت الوزير يلاطفه ويخفف عنه بكلام لم أفهمه، ولكنني فهمت أخيرا قوله: «اذهب حيث شئت من البلاد.»
فلما قالت الجارية ذلك بدت الدهشة على وجه الأمين وقال: «قبحه الله على هذه الجرأة، بل على هذه الخيانة. كيف يطلق أسيرا أمر والدي بحبسه؟ وبعد ذلك ماذا فعل؟»
قالت: «فأجابه الرجل: كيف أذهب وأنا أخاف أن يقبض علي فأرد.»
قال الفضل: «صدق والله.»
فقال ابن الهادي: «وكيف أطلقه إذن؟»
قالت: «إنه طمأنه وبعث معه رجالا من حاشيته ليوصلوه إلى مأمنه. وقد رأيته خارجا وهو يثني على الوزير، والوزير يشجعه ويطمئنه.»
فصاح الأمين: «قد نجا العلوي إذن!»
قالت: «نعم يا مولاي. فعزمت منذ تلك الساعة أن أسرع إليك لأقص هذا الخبر عليك، فلم أستطع الخروج قبل الآن.»
فنظر الأمين إلى ابن الهادي كأنه يستطلع رأيه في ذلك، فأومأ إليه أن يصرف الجارية، فأدرك أنه لا يريد الكلام في حضورها، فأشار إليها أن تمضي إلى قيمة الجواري وهي تقوم بمكافأتها، فنهضت وقبلت ثوب الأمين وخرجت.
نامعلوم صفحہ