فقالت: «لا بد من ذلك؛ لأننا لم نرتكب ذنبا، وزواجنا شرعي، وإنما أراد أخي أن يستبد برأيه فمنعنا مما أحله الله. ألم يكن هو الذي عقد لك علي؟»
قال وهو يهز رأسه استخفافا: «بلى، ولكنه لا يرى لغيره حقا في أن يتمتع بذلك.»
ونهض فنهضت هي معه، فأمسك بيدها للوداع ونفسه لا تطاوعه عليه، فوقف هنيهة وهو ينظر إليها وهي تنظر إليه - والعيون تتفاهم بما تعجز الألسنة عن مثله - ثم أصلح قلنسوته بيده الأخرى ومشى وهي تسير معه حتى وصل إلى الباب، فلبس نعاله وودعها وهو يضغط على يدها ويقول: «امكثي مطمئنة حتى يأتيك مني رسول الخير.»
فأجابته ونفسها لا تطاوعها على إطلاق يده: «سر يا سيدي في حراسة الله. وفقك الله إلى ما تريد.»
فتراجع وهو ينظر إليها نظرة عتاب وقال: «لا تقولي يا سيدي؛ فإنما أنا مولاك، وأنت سيدتي بمقتضى شرعهم وعرفهم. أين أنا من أخت أمير المؤمنين؟»
فلما قال ذلك جذبت يدها من يده، ونظرت إليه شزرا وقالت بلحن الدلال والعتاب: «دعنا من شرعهم وعرفهم؛ فإنك سيدي بشرع الله وعرف المنصفين.»
فضحك وأسرع إلى يدها فأمسكها وهو يقول: «أستودعك الله حتى نلتقي، وأرجو أن يكون لقاؤنا أبديا لا فراق بعده. والأفضل على ما أرى أن أكف عن زيارتك في هذه الأيام ريثما أدبر الحيلة للاجتماع معا في مكان أمين.»
فقالت: «يشق علي بعدك عني، ولكنني أتحمله طمعا فيما ذكرت.»
ثم صفقت تصفيقا تعودت أن تعني به عتبة، فجاءت مسرعة، فقالت لها: «امشي بين يدي مولاك حتى يخرج من القصر ولا يشعر به أحد.»
فأشارت إشارة الطاعة ومشت بين يديه في الدهليز وقد أطفئت شموعه، وسار هو في أثرها حتى خرج من القصر ووصل إلى مكان ترك فيه جواده مع غلامه حمدان، فركب وسار إلى منزله.
نامعلوم صفحہ