فقطع فنحاس كلامه قائلا: «فهمت المطلوب. كن مرتاحا؛ فمتى أتى رسوله بهذا الشأن أضفت نصيبك إلى هذا الثمن. بارك الله فيك. أليس هذا الذي تريده؟ إنك رجل غيور على مصلحتي، وإذا شئت جعلت نصيبك من الصفقة جارية جميلة.»
قال: «لا حاجة بي إلى الجواري كما تعلم.»
فضحك وهو يفتش عن قبائه وجبته وقال: «حسنا. إني أفهم بالإشارة، فافهم أنت. ولن يتم الشرط إلا بعد وقوع البيع.»
قال: «البيع يتم في هذه الساعة؛ لأن الأمين أرسل الفضل بن الربيع، وقد وصل إلى دارك، وأظنهم أدخلوه إلى دار الرقيق الآن. واحذر أن تطلع أحدا على ما دار بيننا.»
فوضع فنحاس يده على فم أبي العتاهية وقال: «لله ما أكثر سذاجتك! كنت أظن أنك أذكى من ذلك.» ثم عاد إلى تسريح شعره وإصلاح شأنه، فمشط لحيته، وفتل شاربه، وشد على خصره منطقة فوق القباء، ولبس الجبة وخرج وأبو العتاهية في أثره، وإذا بحيان يسرع نحوهما، فلما وقع نظره على أبي العتاهية أجفل وتذكر وصية عتبة، فأراد أن يوقف مولاه ليخبره بالقادمين، ويبلغه تلك الوصية، فابتدره فنحاس قائلا : «فهمت مرادك. ها أنا ذاهب إليهم. أين هم؟» وهو يحسبه قادما ليخبره عن الفضل فقط، فبغت حيان ولم يجرؤ أن يخبره بغرضه، وخاصة بين يدي أبي العتاهية فسايره وقال: «قد جاء مولانا الفضل بن الربيع فأدخلناه دار الرقيق، وهو في انتظارك هناك.» وأجل الخبر الآخر إلى فرصة أخرى.
أما أبو العتاهية فإنه نظر إلى حيان وتبسم على جاري العادة وهو لا يعلم ما في ضميره، فحياه حيان متأدبا ومشى في أثره.
الفصل الحادي عشر
دار الرقيق
مشى المعلم فنحاس وهو يتعثر بأذيال جبته حتى خرج من دهليز داره إلى باب بجانب الباب الكبير هو مدخل دار الرقيق، فأشرف منه على فناء واسع تحيط به غرف عديدة، ربما زاد عددها على ثلاثين غرفة. وكان الفناء مزدحما بالخدم من رجال الفضل وأنظارهم متجهة نحو تلك الغرف كأنهم يشاهدون فيها شيئا غريبا. وبجانب الباب من الداخل غرفة مفروشة بالطنافس، وفيها الوسائد مصفوفة بين الجدران وقد زخرفت تلك الجدران بالنقوش الملونة. وكان الفضل قد دخل هذه الغرفة مع بعض خاصته ولبث في انتظار المعلم فنحاس. أما هذا فحالما أقبل على الغرفة رأى الفضل في صدرها جالسا وقد أسند كوعيه على ركبتيه، فهرع إليه مسرعا وأكب على يده ليقبلها وهو يبتسم ويتأدب، فضحك له الفضل واجتذب يده منه وهو يقول: «أظننا أزعجناك بهذه الزيارة؟»
قال: «كلا، يا مولاي؛ فإن زيارتكم شرف كبير لنا.»
نامعلوم صفحہ