فقال الرشيد: «نعم. لك الأمان إن قلت الصدق، وإلا فإننا سوف نقتلك بهذا السيف. واعلم أننا مطلعون على كل شيء.»
فحدثته نفسه أن يحافظ على سر مولاته تفانيا في سبيل مصلحتها، ولكن الضعف البشري غلب عليه، وهو يغلب على كبار الرجال في مثل هذه الحال، فكيف بعبد خصي مهما بلغ من إخلاصه؟ على أنه انتحل لنفسه عذرا لإقراره؛ وذلك أن الرشيد لم يسأله إلا وهو يعلم كل شيء، فإذا أنكر قتل ولم تنتفع مولاته بقتله. أما إذا اعترف وظل حيا فقد يستطيع إنقاذها، أو خدمتها في شيء. مرت تلك الخواطر في ذهنه في لحظة واحدة، ولما عمد إلى الإقرار أحس بوخز الضمير لئلا يقع من إقراره ضرر على مولاته العباسة، فأطرق وتشاغل ببلع ريقه ولا ريق في فمه؛ لما أصابه من الجفاف لشدة خوفه وهول موقفه. ولاحظ الرشيد تردده فصاح فيه: «تكلم أو أقتلك.»
فقال أرجوان وصوته يتلجلج: «إن جعفرا قد تزوج أختك العباسة منذ سبع سنين، وولدت منه ثلاثة بنين؛ أحدهم له ست سنوات، والآخر له خمس سنوات، والثالث عاش سنتين ومات قريبا، والاثنان الباقيان قد أرسلهما إلى مدينة الرسول، وهي حامل بالرابع.» واختنق صوته.
الفصل السادس والخمسون
الانتقام
وكان الرشيد يسمع كلامه والشرر يكاد يتطاير من عينيه، فلما فرغ أرجوان من كلامه قال له الرشيد: «كيف يقع ذلك وأنت تعلم به ولم تخبرني؟»
فتشدد أرجوان عند هذا السؤال؛ لأن جوابه سهل عليه، وقال: «أنت أذنت لوزيرك بالدخول على أهل بيتك، وأمرتني ألا أمنعه في أي وقت شاء ليلا أو نهارا.»
فقال الرشيد وهو يصر على أسنانه: «أمرتك ألا تحجبه، فحين حدثت هذه الحادثة لماذا لم تخبرني أول الأمر؟»
1
ثم التفت إلى مسرور وقال: «اضرب عنقه.»
نامعلوم صفحہ