وجاء يوم الاجتماع العظيم، وأتى القواد والحكام من مصر العليا والسفلى، وشهد البهو الفرعوني رءوس مصر مجتمعة في صعيد واحد كحبات العقد الفريد، عن يمين العرش المكين وعن يساره، فجلس الحكام صفا وجلس القواد صفا، واتخذ الأمراء والوزراء أماكنهم خلف العرش، وكان ولي العهد يتوسط الأمراء، وكان الكاهن خوميني يتوسط الوزراء، وجلس على رأس الحكام سمو الأمير أبوور، وجلس في مقابله على رءوس القواد القائد العام أربو الذي كلل المشيب هامته.
وأعلن كبير حجاب القصر قدوم صاحب الجلالة الملك، فقام الجمع المحتشد واقفا، وأدى القواد التحية العسكرية، وأحنى الحكام والوزراء الهامات إجلالا، وجلس الملك وأذن لملئه فجلسوا، وكان الملك واضعا على منكبيه وشاحا من جلد الأسد، فعلم من لم يكن يعلم أن فرعون دعاهم من أجل الحرب.
واستغرق الاجتماع زمنا يسيرا، ولكنه كان على قصره رهيبا حاسما، وبدا الملك فيه قويا نشيطا، واستعادت عيناه بريقهما المعروف، وقد قال لكبراء مملكته بصوته العظيم الذي يملأ القلوب إجلالا وإكبارا: أيها الحكام والقواد، لقد دعوتكم لأمر جلل تتعلق به سلامة الوطن وطمأنينة شعبنا الأمين؛ فقد أبلغني صاحب السمو الأمير أبوور حاكم أرسينة أن قبائل طور سيناء لا تنفك عن السطو على القرى النائية، وتهديد قوافل التجارة، وقد دلت التجارب على أن قوات الشرطة لا تستطيع القضاء عليها قضاء يكفي البلاد شرها، وأنها لا تملك الوسيلة لغزو الحصون التي يمتنع بها رجالها، وقد آن الأوان لدك هذه الحصون وتأديب المتمردين؛ لدفع شرهم عن الشعب الآمن، وإعلاء كلمة الحكومة الفرعونية.
وكان القوم ينصتون إلى مولاهم في صمت رهيب وانتباه شديد، فوضح الاهتمام على وجوههم، وتبدى التحفز على انضمام شفاههم وبريق أعينهم، والتفت الملك إلى القائد أربو وسأله: أيها القائد، هل الجيش على استعداد للقيام بواجبه؟
فقام القائد الخطير واقفا وقال: صاحب الجلالة ملك مصر العليا والسفلى ومنبع القوة والحياة، إن مائة ألف جندي بين الجنوب والشمال على كامل الأهبة للقتال، تشد أزرهم عدد حربية لا تعد ولا تحصى، ويسدد خطاهم قواد مدربون، ومن الميسور تجنيد أضعاف هذا العدد في زمن قصير.
فاعتدل فرعون على عرشه وقال: نحن فرعون مصر العليا والسفلى؛ خوفو بن الرب خنوم، حامي النيل وسيد بلاد النوبة، نعلن الحرب على قبائل طور سيناء، ونأمر بهدم حصونها وتأديب رجالها وسبي نسائها، وإني آمركم أيها الحكام أن تعودوا إلى مقاطعاتكم، وأن يرسل كل حاكم فرقة من حامية إقليمه.
وأشار فرعون إلى القائد أربو فاقترب القائد من مولاه، وقال له الملك: اعلم أني لا أريد أن يزيد عدد الجيش المقاتل على عشرين ألفا.
وقام فرعون على الأثر، فقام الجمع واقفين وهتفوا باسمه بحماس عظيم، وانتهى بذلك الاجتماع الخطير.
وعاد ددف في ركاب ولي العهد، وكان الأمير مسرورا مبتهجا على غير عادته، فلم يشك الشاب في أنه يفرح لنجاح سياسته، ويفوز بالغاية التي طال تربصه بها، وتذكر ما وعده فخفق قلبه خفقان الحيرة والفرح وود لو يستطيع استنجازه وعده، على أن الأمير لم يمد له حبل القلق والحيرة، فقال له وهو يدخل إلى القصر: وعدتك بمفاجأة سارة، فاعلم أني نلت موافقة والدي الملك على اختيارك قائدا للحملة الموجهة إلى سيناء.
25
نامعلوم صفحہ