وبدت على الوجوه الدهشة والإنكار، فقال فرعون: إن قصور الدنيا تغلب عليها جلبة الحياة الفانية؛ فلا تصلح لإنتاج عمل خالد!
وانتهى الاجتماع عند ذاك، لأن الملك لم يكن يحب المناقشة فيما بت فيه برأي نهائي، فانصرف الأصدقاء، وحين ركب ولي العهد عربته مال على رئيس حجابه وقال بامتعاض شديد: إن فرعون يؤثر الشعر على الحكم!
أما الملك فقد ذهب إلى قصر الملكة ميرتيتفس، ووجدها في مخدعها مع الأميرة الصغيرة مري سي عنخ، شقيقة رعخعوف التي لم تتجاوز العاشرة، وقد جرت الأميرة إليه كالحمامة، والفرح يلمع في عينيها السوداوين الجميلتين ...
مري سي عنخ ذات الوجه البدري واللون الخمري والعينين اللتين تشفيان بصفائهما من السقام، ولم يتمالك فرعون من أن يبتسم ابتسامة الحب، ويزيح عن صدره الهموم والأحزان، ويتلقاها بذراعين مفتوحتين.
14
هبت نسمة من الفرح على قصر بشارو ذلك اليوم، تبدت آثارها في وجه زايا الضاحك ونافا والمفتش نفسه، وكأن جاموركا قد استبشر خيرا وأحس إحساسا باطنا بأنه ينبغي له أن يفرح، فتمطى ونبح وعدا في ممرات الحديقة كالسهم الطائش ...
وكانوا جميعا ينتظرون، فسمعوا جلبة في الحديقة وعلا صوت خادم يقول بفرح: «سيدي الصغير.» فهبت زايا واقفة وجرت نحو السلم وهبطت الأدراج لا تلوي على شيء، وفي نهاية الردهة رأت ددف في بذلته البيضاء وقلنسوته الفرعونية بهيا كشعاع الشمس، ففتحت ذراعيها، إلا أن جاموركا كان أسرع إليه منها، فهجم على سيده بعنف واحتضنه بيديه وعلا نباحه يشكو إليه ما لقي من عذاب الشوق وآلام الحنين، فأزاحت زايا الكلب جانبا وضمت الابن العزيز إلى قلبها وأشبعته لثما وتقبيلا وهي تقول له: ردت الروح إلي يا بني ... كم أوحشتني عيناك، وكم هزني الشوق إلى اجتلاء وجهك الجميل ... عزيزي، أنت أنحف كثيرا مما كنت وقد لفحت الشمس وجهك. وأنت متعب يا ددف!
وأتى نافا مع جلبته وضحكه، وقال يحيي أخاه: أهلا بالضابط العظيم.
فابتسم ددف وسار بين أمه وأخيه، وجاموركا يرقص أمامه طربا ويقطع عليه الطريق من كل جانب، واستقبله المفتش استقبالا عاطفيا وقبل خده، ونظر إليه مليا بعينيه البارزتين اللتين تدعيان الفراسة وقال: تغيرت يا بني في هذين الشهرين، وبدت عليك الرجولة حقا، وقد فاتك الاحتفال بالهرم العظيم، ولكن لا تأسف على هذا؛ فسآخذك لمشاهدته بنفسي؛ فإني ما زلت ولن أزال مفتشا على منطقته حتى أحال على المعاش. ولكن لماذا أنت متعب يا بني؟
فضحك ددف وقال ويده تعبث برأس جاموركا: الحياة العسكرية شديدة قاسية ... وسحابة النهار في المدرسة تمضي عادة بين الجري والسباحة وركوب الخيل ... وإني الآن فارس ماهر!
نامعلوم صفحہ