العبرات
العبرات
ناشر
دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع
پبلشر کا مقام
بيروت - لبنان
اصناف
اَلَّتِي كَانَتْ تُضِيء مَا بَيْن جَنْبَيْهِ مِنْ اَلْحُبّ قَدْ اِسْتَحَالَتْ إِلَى جَذْوَة نَار مُشْتَعِلَة تَقْضِم فُؤَاده قَضْمًا وَتَمْشِي فِي نَفْسه مَشْي اَلْمَوْت فِي اَلْحَيَاة فَأَطْلَقَ لِعِبْرَتِهِ سَبِيلهَا وَأَنْشَأَ بَيْن أَنِينًا يَئِنّ مُحْزِنًا تَرَدُّده اَلرِّيَاح فِي جَوّهَا وَالْأَمْوَاج فِي بَحْرهَا وَالْأَعْشَاب فِي مغارسها والسائمة فِي مَرَابِضهَا حَتَّى سَمْع أَصْوَات اَلرُّعَاة وَضَوْضَاء السائمة فَكَفْكَفَ عَبَرَاته وَأَسْلَمَ رَأْسه إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَذَهَب مَعَ هُمُومه وَأَحْزَانه إِلَى حَيْثُ شَاءَ اَللَّه أَنْ تَذْهَب.
هَكَذَا لَمْ يَنْتَفِع اَلْمِسْكِين بِنَفْسِهِ بَعْد اَلْيَوْم فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ اَلْحُزْن إِلَى أَبْعَد مَذَاهِبه حَتَّى نَالَ مِنْهُ مَا لَمْ يَنَلْ كَرّ اَلْغَدَاة وَمَرَّ اَلْعَشِيّ فَأَصْبَحَ مَنْ يَرَاهُ فِي طَرِيقه يَرَى رَجُلًا يَائِسًا مَنْكُوبًا مُشَرَّد اَلْعَقْل مُشْتَرِك اَللُّبّ مذهوبا بِهِ كُلّ مَذْهَب يَهِيم عَلَى وَجْهه آنَاء اَللَّيْل وَأَطْرَاف اَلنَّهَار بَيْن اَلْغَابَات والحرجات وَفَوْق ضِفَاف اَلْأَنْهَار وَتَحْت مَشَارِف اَلْجِبَال يَأْنَس بِالْحَوْشِ أَنَس العشير بعشيره وَيَفِرّ مِنْ اَلنَّاس إِنَّ دُنُوًّا مِنْهُ فِرَار اَلْإِنْسَان مِنْ اَلْوَحْش وَيَرُدّ اَلْمَنَاهِل مَعَ اَلظِّبَاء واليعافير ثُمَّ يُصَدِّر إِذَا صَدَّرَتْ مَعَهَا وَرُبَّمَا تَرَامَى بِهِ اَلسَّيْر أَحْيَانًا إِلَى أفنية اَلْقَصْر اَلْأَحْمَر مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر فَإِذَا رَأَى أبراحه بَيْن يَدَيْهِ ذُعِرَ ذُعْرًا شَدِيدًا وَصَاحَ صَيْحَة عَظِيمَة وانكفا رَاجِعًا إِلَى قِرْبَته لَا يَلْوِي عَلَى شَيْء وَكَثِيرًا مَا قَضَتْ أُمّه اَلنَّهَار كُلّه حَامِلَة عَلَى يَدهَا اَلطَّعَام تُفَتِّش عَنْهُ فِي كُلّ مَكَان حَتَّى تَرَاهُ مُلْقَى بَيْن اَلْأَحْجَار عَلَى ضَفَّة نَهْر أَوْ فِي سَفْح جَبَل فَتَضَع اَلطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر بِمَكَانِهَا ثُمَّ تَرْفَع يَدَيْهَا إِلَى اَلسَّمَاء ضارعة متخشعة تَسْأَل اَللَّه بِدُمُوعِهَا وَزَفَرَاتهَا أَنْ يَرُدّ إِلَيْهَا وَحَيَّدَهَا ثُمَّ تَعُود أَدْرَاجهَا.
1 / 89