كل امرئ فرح إلا ميمي، حين كلمتها أمه، وفي قولنا إنها لم تفرح شيء من التساهل في التعبير، ذلك أنها فرحت لأن هذا هو الذي كانت تطمع فيه وتتطلع إليه، ولكنها كانت تعلم أن طلبة يحب وردة، وآلمها أن يشقى طلبة، وأن تغدر به وتخونه وردة، وسرها أنه لم يفز بها، وحز في نفسها أن طلبة إنما انثنى إليها ورغب فيها لأن أمله في وردة خاب، وكان هذا أوجع ما عانته من الإحساسات، وتنازعتها الرغبة في إرضاء حبها بالقبول، والرغبة في إرضاء كبريائها بالرفض، وكانت أحيانا تميل إلى الرفض وهي تشتهي ويكاد قلبها يتمزق من فرط الحب، ثم تميل إلى القبول، ولكن الألم يمزق أعصابها ويتلفها، فتبكي.
وترى الأم والأخت هذا منها فتستغربان وتنكران هذا البكاء، ويخطر لهما تارة أن هذا البكاء بكاء السرور، وتارة أخرى أن ميمي لا تريد طلبة زوجا لها، ولكنها لا تستطيع أن ترفض لأنها يتيمة لا أهل لها ولا بيت إلا هذا ...
وكان هذا بعض ما خطر لميمي وقطع قلبها، وزادها حيرة، فهي إذا قبلت الزواج لا يسعها أن تنسى أن قلب طلبة مع وردة، وإذا رفضت، فقد قضت على حبها ووجب عليها في هذه الحالة أن تترك البيت، ولكن إلى أين في هذه الدنيا الطويلة العريضة الزاخرة بملايين الخلق، والتي تضيق مع ذلك بفتاة واحدة؟
وطال التردد، ومضت الأيام، والكل حائر، حتى طلبة بدأ يستغرب وظن أن ميمي لا تريده، وأنه كان مخطئا فيما توهمه دليلا على ميلها إليه وتعلقها به، وكان من فضل هذا أن صغا إليها بقلبه، شيئا فشيئا أيضا ... حتى كانت ليلة فناداها، فلما دخلت عليه صارحها بما نابت عنه أمه من قبل في الكلام فيه.
فقالت له: «لا ... إنك تحب وردة، فأنا لست لك.»
قال: «أهو هذا؟» وسرته هذه الغيرة وأيقن من حب الفتاة وقال: «اسمعي يا ميمي، لقد كنت أتوهم أني أحب وردة، ولكن المرء قلما يعرف نفسه، ولو أني كنت أحبها بالمعنى الصحيح لما استطعت أن أسلوها بهذه السرعة، وقد كنت أعمى ... الدرة تحت عيني وأنا لا أراها ...»
فقاطعته: «لأنك لم تكن ترى إلا وردة.»
قال: «نعم، فلما خلت منها حياتي استطعت أن أنتفع بعيني، ومن واجبي أن أشكر الله، فلو لم أتعلق بوردة لما استطعت أن أفطن إلى الدرة التي كنت ذاهلا عنها ... وإذا كنت تحبينني كما أعتقد وأرجو، فإن من واجبك أن تحمدي أني افتتنت بوردة أياما، فكانت هذه الفتنة سبيل المعرفة ووسيلة الهداية ... أليس كذلك يا ميمي؟»
وأراد قلب ميمي أن يقتنع، فاقتنعت، ولم تندم قط بعد ذلك على أنها أطاعت قلبها ولم تطع كبرياءها، وقد كان من الممكن أن يكون الأمر على نقيض ذلك، ولكن طلبة كان صادقا حين قال إن فتنته كانت سبيل المعرفة، وإنه عرف نفسه بعد أن ضل قليلا ...
الخاتم
نامعلوم صفحہ