وإنما فعلت العلماء ذلك لأن الخبر في نفسه إذا كان ممكنا فهو محتاج إلى ما يدل على صحته، والمثل مقرون بالحجة، ألا ترى أن الله -عز وجل - لو قال لعباده: إني لا أشرك أحدا من خلائقي في ملكي لكان ذلك قولا محتاجا إلى أن يدل على العلة فيه، ووجه الحكمة في استعماله فلما قال: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} كانت الحجة من تعارفهم مقرونة بما أراد أن يخبرهم به من أنه لا شريك له في ملكه من خلقه، لأنهم عالمون بأنهم لا يقرون أحدا من عبيدهم على أن يكون فيما ملكوه مثلهم بل يأنفون من ذلك ويدفعونه، فالله -عز وجل - أولى بأن يتعالى عز ذلك. وكذلك جعلت القدماء أكثر آدابها، وما دونته من علومها بالأمثال والقصص عن الأمم، ونطقت ببعضه # على ألسن الطير والوحش، وإنما أرادوا بذلك أن يجعلوا الأخبار مقرونة بذكر عواقبها، والمقدمات مضمومة [إلى] نتائجها، وتصريف القول في ذلك حتى يتبين لسامعيه ما آلت إليه أحوال أهليها عند لزومهم الآداب أو تصنيعهم إياها، ولهذا بعينه قص الله علينا أقاصيص من تقدمنا ممن عصاه، وآثر هواه، فخسر دينه ودنياه، ومن اتبع رضاه، فجعل الخير والحسنى عقباه، وصير الجنة مثواه ومأواه، وقال في ذلك: {ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون}.
اللغز:
وأما اللغز: فإنه من لغز اليربوع إذا حفر لنفسه مستقيما ثم أخذ بمنة ويسره ليخفي بذلك على طالبه، وهو قول استعمل فيه اللفظ المتشابه طلبا للمعاياة والمحاجته والفائدة في ذلك في العلوم الدنيوية رياضة الذكر في تصحيح المعاني وإخراجها من المناقضة والفساد إلى معنى الصواب والحق، وقدح الفطنة في ذلك واستنجاد الرأي باستخراجه، وذلك مثل قول الشاعر:
صفحہ 119