ومن المعارضة قول مؤذن يوسف - عليه السلام -: {أيتها العير إنكم لسارقون}، وهم لم يسرقوا الصاع، وإنما عني سرقتهم أياه من أبيه [وإذا كان]، الكذب إنما استقبح في العقل، وخرج عن شريعة العدل، من أجل أنه مخالف لحقيقة الأشياء في أنفسها من غير نفع يقصد به حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: - "الكذب مجانب للإيمان، "وقال الله - عز وجل -: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} وسمى الكاذبين ظلمة، ولعنهم فقال: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} كان الكذب إذا أريد به الصلاح العام والمنفعة الحقيقية مطلقا، وقد روى: "لا كذب إلا في ثلاثة مواطن: كذب في حرب، وكذب في إصلاح بين الناس، وكذب الرجل لامرأته ليرضيها به"، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: - "والكذب كله إثم إلا ما نفعت به مسلما، أو دفعت به عن دين، # وليس يدخل كذب الإنسان لنفع نفسه، وضر غيره في هذا المعنى، لأن النفع الحقيقي هو [الذي] لا يقع به ضرر على وجه. وقد استعمل الناس أشياء ظاهرها كذب، ولهم فيها معان تخرجها عنه كتسميتهم الصبي بأبي فلان، وهو لم يستحق أن يكون أبا، (ودعي أبو فلان) وربما توفى قبل أن يولد له ولد، وربما ولد له ولد فيسمى ولده بغير ما كنى به فهذا على ظاهره كذب، ولذلك أبته رهبان النصارى وجماعة من أهل الأديان، والذي نقصده، العرب بذلك في الصغير التفاؤل [له] بالحياة، وطول العمر والولد، وتقصد به الكبير وذي الشرف التعظيم له من التسمية باسمه، ولذلك ترى السلطان إذا شرف وزيرا من وزرائه أو وليا من أوليائه كناه، وقد تجعل العرب للرجل الكنية والكنيتين والثلاث على مقدار جلالته في النفوس، وممن كان له كنى أمير المؤمنين، - عليه السلام-، وحمزة، - رضوان الله عليه-، ومن العرب عامر بن الطفيل، وعمرو، بن معد يكرب، وغيرهما، وذلك معروف في أخبارهم ومما استعملت فيه العرب أيضا التفاؤل تسميتهم أبنائهم أسدا تفاؤلا بالشجاعة والنجدة والبسالة، وكلبا تفاؤلا بالحراسة والمحافظة، وأشباه ذلك مما سموا به. ومما قلبوه عن معناه وسموه بضد ما يستحقه على سبيل # التفاؤل "المفازة" وإنما هي مهلكة" "والسليم" الملموع، وإنما هو التآلف. ومما أرادوا به التعظيم لرؤسائهم أيضا اللقب، كتلقيبهم بذي يزن. ومكلم الذئب، والباقر، والصادق، والرضا، وأشباه ذلك، واللقب يجري على وجهين: أحدهما بالاشتقاق والتمثيل كتلقيبهم الغريض بالغريض لتشبيههم إياه في بياضه بالإغريض وهو الطلع؛ والآخر بالاتفاق كتلقيبهم بالقليزر، والدمحاك، وربما لقبوا الإنسان بغير لسان العرب كتلقيبهم بالإخشيد، وبرجيس. ومما جرى من الألقاب على جهة التعظيم تلقيب الخلفاء أنفسهم، ومن رفعوا منزلتهم من أوليائهم، وذلك مشهور يغني عن تمثيله، ومن اللقب ما جرى على سبيل الذم [كتلقيبهم]: بذنب العذر، ورأس الكلب، وأنف الناقة قبل أن يمدح بنوه بذلك. فهذا، أقسام للعبارة التي يتسارى أهل اللغات في العلم بها.
صفحہ 101