ثم لا يخلو الخبر بعد هذا كله من أن يكون عما مضى مثل قام زيد، أو عما أنت فيه مثل قولك: قائم زيد، ولا يخلو مع ذلك من أن يكون عاما كليا، أو خاصا جزئيا، أو مهملا. وكل ما ظهر فيه حرف العموم فهو عام كقولك: كل القوم جاءنا، وجميع المال انفقت، ومنه قوله - عز وجل-: {كل شيء هالك إلا وجهه} فهذا لا يجوز أن يراد به الخصوص لظهور حرف العموم فيه. وكل ما ظهر فيه حرف الخصوص فهو خاص، كقولك: بعض المال قبضت، ومن القوم من جاءنا، ومثل قول الله - عز وجل-: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما} فهذا لا يجو أن يراد به العموم لظهور حرف الخصوص فيه. وما لم يظهر فيه حرف العموم، ولا حرف الخصوص فهو مهمل، وقد يكون عاما [وقد] يكون خاصا، واعتباره أن ينظر فإن كان في الأشياء الواجبة أو الممتنعة فهو عام، وإن كان لفظه واحدا، كقول الله - عز وجل-: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} لأنه من الواجب أن يكون كل واحد على نفسه بصيرة، وإن كان # في الممكن فهو خاص كقول الله - عز وجل-: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا} فهذا خاص وإن كان لفظه على الجماعة، لأن القول ممن قال، والجمع ممن جمع من الأشياء الممكنة، وجائز أن يقع منهم وألا يقع، فهذا أصل يعمل عليه في الخاص والعام والمهمل.
ومن البين للعقل أن الأخبار المثبتة الجازمة من الأمر الواجب - ماضيها ومستقبلها وما أنت فيه منها، وعامها وخاصها ومهملها - صدق أجمع، وأن منفيات ذلك كله كذب، وأن مثبتات هذه الأخبار في الأحوال التي قدمنا ذكرها إذا كانت في الممتنع فهي كذب، ومنفياتها صدق، وأن جميع هذه الأخبار في هذه الأحوال إذا جاءت في الأمر الممكن فقد تكون صدقا وقد تكون كذبا؛ وقد دللنا على جمل ما يعرف به الصدق في ذلك من الكذب، ولم نستقصها لئلا يطول الكتاب بها، وهي في كتب المنطقيين مشروحة، فمن أراد علمها فليطلبها هنالك إن شاء.
صفحہ 96