277

برہان فی وجوہ بیان

البرهان في وجوه البيان

اصناف

ثم إن مخارج الحروف ثلاثة عشر مخرجا: أولها من بين الشفتين مخرج الواو والباء والميم والفاء، وهي حروف الشفة، ومن طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا مخرج الثاء والظاء والذال، وهي حروف النفث، # وأدخل من ذلك قليلا بإطباق اللسان على أصول الثنايا مخرج التاء والدال والطاء، وهي حروف الإطباق، وأدخل من ذلك قليلا إلى ظهر اللسان مخرج الصاد والسين والزاي، وهي حروف الصفير، ومن طرف اللسان مخرج الراء والنون واللام، ومن أحد جانبي اللسان مخرج الضاد، ومن الناس من يخرجها من الشق الأيمن، ومنهم من يخرجها من الأيسر، وفيما بين وسط اللسان وجانبه يخرج الياء والجيم والشين، وفوق ذلك إلى اصل اللسان مخرج الكاف، وفوقه من أصل اللسان القاف. ثم حروف الحلق من ثلاثة مخارج: أولها مما يلي الفم مخرج الخاء والغين، ومن وسطه مخرج العين والحاء، ومن أقصاه مما يلي الصدر الهمزة والألف، وهي أدخلها إلى الصدر، ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة، فكلما تقارب مخرج الحرفين كانا أثقل على اللسان منهما إذا تباعدا. ومن شأن العرب استعمال ما خف وتجنب ما ثقل، ولذلك لا يكادون يجمعون بين حرفين من مخرج واحد، أو مخرجين متساويين، وإذا اجتمعا أدغموا أحدهما في الآخر، والأصل في الإدغام أنه إذا اجتمع حرفان من مخرج واحد أو على صورة واحدة وسبق أحدهما بالسكون وكانا متجاورين أدغمت أحدهما في الآخر لا غير، وذلك مثل قوله: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر} وقوله: {عصوا وكانوا}، وإن كانا في كلمة واحدة لم يجز غير الإدغام نحو قوله: {فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم}، وإذا سكن الثاني لم يجز الإدغام نحو قوله: {هاأنتم هؤلاء حاججتم} ومثله مددت ورددت وكللت. وإذا اجتمع حرفان متجاوران من مخرج واحد، أو على صورة واحدة وهما مترحكان كنت بالخيار إن شئت # أظهرت وإن شئت أدغمت، كقولك ضرب بكر عمرا، أو ضرب بكر (وكقوله: "الذي جعل لكم" و"جعل لكم").

فإن كان الحرفان من كلمة واحدة، وهما متحركان نظرت لما كان من ذلك في الاسم فأظهرته، نحو العدد والمدد، وكقوله: {لقد قلنا إذا شططا}، وإذا كان من فعل أدغمت نحو: مد، ورد، ولا نقل مدد وردد، وذلك لخفة الأسماء وثقل الأفعال، فكذلك حكم اللام والراء لأنهما من مخرج واحد في الإدغام، وحكم الدال والسين في قوله: {لقد سمع الله} لتقارب مخارج الحرفين. فحروف الحلق لا تأتلف ولا تقترن الهمزة والألف منها، لأنهما من حروف الزوائد، وإحداهما من حروف المد واللين، فهما يجتمعان مع سائر الحروف، ولا يجمعون بين القاف والكاف في أصل بناء كلمة، فإن كانت الكاف زائدة التشبيه جاز ذلك فقالوا: كقولك ليس هذا مقارنة، وإنما هي مجاورة، وأما الجيم والشين والضاد فلأن بعضها أطول مدى في المخرج من بعض، وأن مراتب بعضها دون مراتب بعض في مخرجها تقارنت في بعض أحوالها، فقارنت الجيم الضاد بتقديم الضاد في الضجيع ولم تقارنها بالتأخير، وقارنت الشين الجيم بالتقديم، والتأخير، فقيل جش وشج، ولم تقارن الضاد الشين بتقديم ولا تأخير لتقارب مخرجهما.

صفحہ 357