برہان فی وجوہ بیان

ابن وهب الكاتب d. 335 AH
163

برہان فی وجوہ بیان

البرهان في وجوه البيان

اصناف

ولذلك قال الله - عز وجل -: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} فإن من دعا ربه، فقد أطاع أمره، وعرف قدره لأن الله سبحانه بذلك أمره حيث يقول: {ادعوني أستجب لكم}. قال قائل: فإذا كان الله - عز وجل - قد قدر الأشياء تقديرا واحدا، وعلم ما يكون منها، وكان غير جائز أن يقع شيء بخلاف ما علم منه، فما معنى الدعاء؟ ! وقد فرغ الله - عز وجل - مما يدعو فيه. قلنا: لو كانت الأشياء السابقة في علم الله محتومة كلها لكان ما قلت، ولم يكن لدعاء موقع، ولا للاستجابة موضع، لكن الله تعالى علمين: أحدهما محتوم، والآخر موقوف على شرط، وبذلك نطق كتابة، فقال: {الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده}، والمحتوم لا يتأخر عن وقته، كما قال سبحانه: {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون}، والآخر الموقوف على الشرط هو الذي يدفع مكروهه بالدعاء والصدقة والبر، ويغير مرجوه بمثل ذلك، وبالإنابة والتوبة، وهو الذي يقول [فيه] الله - عز وجل -: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} وفيه يقول: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} ومثله مما قد قص علينا في القرآن قوله: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} # وكانت مكتوبة في سابق علمه لهم على شرط، وهو أن يطيعوه في دخولها، فلما عصوه حرمها عليهم. وقد تواترت الأخبار بأن الصدقة ترد القضاء، وأن برد الوالدين يزيد في العمر، وأشباه هذا. وإنما ذلك فيما هو من علم الله سبحانه معلق بشرط عنده، وقد ذكرنا هذا في كتاب الإيضاح عند ذكرنا لله - عز وجل - فيه من المشيئة بما أغنى عن إعادته. ولعل من لم يقو تمييزه، ويكمل عقله يسوء بربه - سبحانه - إذا دعاه فلم يستجب له، ويتوهم أن ذلك بخلف وقع من الله - سبحانه - في وعده، أو تهاون بدعاء عبده، وليس الأمر كذلك، لكن هاهنا سر في الدعاء فيه تنبيه لكثير من الناس على رشدهم، وهو أن كل أحد مجبول على أن يهيئ لنفسه أعلى المنازل وأشرف المراتب، فهو لا يسأل الله تعالى إلا على قدر تمنيه وشهوته، ولو أعطى الله - عز وجل - كل أحد ما يشاء كان الناس جميعا على أعلى طبقة، وأشرف منزلة، ولو صار الناس على هذا يوما واحدا لاستغنى بعضهم عن بعض، ولو استغنى بعضهم عن بعض ما ترافدوا ولا تعاونوا، ولو لم يترافدوا ويتعاونوا لبطلت الحكمة في سياستهم، ودخل الخلل والإضاعة على جماعتهم، لأن الصناع والتجار والمهان كانوا يصرفون عن صنائعهم وتجاراتهم ومهنهم ويستغنون عنها، فيبقى كل واحد من الناس بغير معين، وإذا لحق ذلك كل واحد منهم دخل عليه من الضرر في نفسه وأهله وماله وولده ما لا بقاء معه، ولا صلاح بمده، فإذا دعوت الله سبحانه فاعلم أنك تدعو حكيما يسوس الخلق، ويدبرهم بحكمته، والحكيم لا يعطيك في نفسك، وأنت جزء # من خلقه ما ينتقض به تدبيره في سار خلقه، ويفسد به سياسته في جميع ملكه، لكنه يستجيب لك فيما ينفعك ولا يضر غيرك، فإذا منعك فإنما يمنعك ما تفسد به تدابير لكل الذي أنت جزء منه، كمنعه إياك لنفعك إذا كان حكم الجزء تابعا لحكم الكل.

وأما السؤال فينبغي أن يكون لله - عز وجل - بالتذلل والاستكانة، وللناس بالتعفف والقناعة، ومجانية التذلل والضراعة، فقد روي أن بعض الحكماء سئل عما يقرب العبد من الله - عز وجل - وما يقرب من الناس فقال: أما ما يقربك من الله - عز وجل - فأن تسله وأما ما يقربك من الناس فألا تسلهم.

صفحہ 222