286

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة

ایڈیٹر

محمد أبو الفضل إبراهيم

ناشر

المكتبة العصرية

پبلشر کا مقام

لبنان / صيدا

٥١٩ - مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن قَائِد الْخَطِيب البحراني المولد والمنشأ، الإربلي الأَصْل، أَبُو عبد الله موفق الدّين الأديب النَّحْوِيّ.
قَالَ فِي تَارِيخ إربل: ولد بِالْبَحْرَيْنِ لِأَن أَبَاهُ كَانَ تَاجِرًا كثير السّفر إِلَيْهَا يجلب اللُّؤْلُؤ، وَأقَام إِلَى ان ترعرع، فَخرج إِلَى إربل، وَهُوَ على هَيْئَة الجفاة من الْعَرَب، وَكَانَ إِمَامًا فِي علم الْعَرَبيَّة، مقدما مفتنًا فِي أَنْوَاع الشّعْر، مُعظما، اشْتغل بِشَيْء من عُلُوم الْأَوَائِل، فَحل إقليدس، وَأَرَادَ حل المجسطي فَحل قِطْعَة مِنْهُ، ثمَّ رأى أَن ثَمَرَة هَذَا الْعلم مرٌ جناها، وعاقبته مَذْمُوم أولاها وأخراها، فنبذه وَرَاء ظَهره مجانبًا، ونكب عَن ذكره جانبًا.
وَكَانَ حسن الظَّن بِاللَّه، وأكب على علم النَّحْو فَبلغ مِنْهُ الْغَايَة، وَجَاوَزَ النِّهَايَة، وَصَارَ فِيهِ آيَة، وَلم يكن أَخذه عَن إِمَام، إِنَّمَا كَانَ يحل مشكله بِنَفسِهِ، وَيُرَاجع فِي غامضه صَادِق حسه، حَتَّى جرى بَينه وَبَين عمر ابْن الشّحْنَة مناظرة، فَظهر موفق الدّين هَذَا، فَلم يكن لِابْنِ الشّحْنَة قَرَار إِلَّا أَن قَالَ: أَنْت صحفي، فلحق موفق الدّين مكي بن رَيَّان، فَقَرَأَ عَلَيْهِ أصُول ابْن السراج، وَكَثِيرًا من كتاب سِيبَوَيْهٍ، وَلم يفعل ذَلِك حَاجَة بِهِ إِلَى إفهام، وَإِنَّمَا أَرَادَ ان ينتمي على عاداتهم فِي ذَلِك إِلَى إِمَام، وَكَانَ مكي كثيرا مَا يُرَاجِعهُ فِي الْمسَائِل المشكلة، والمواضع المعضلة، وَيرجع إِلَيْهِ فِي أجوبة مَا يُورد عَلَيْهِ.
وَكَانَ أول أمره تعلم بِشَهْر زور على إِنْسَان اعمى يُسمى رَافعا شَيْئا من النَّحْو، وداوم مطالعة الْكتب النحوية، إِلَى أَن صَار إِمَامًا فِيهِ، وَكَانَ أعلم النَّاس بالعروض والقوافي، وأحذقهم بِنَقْد الشّعْر، وأعرفهم بجيده من رديِّه، وَله طبع صَحِيح فِي معرفَة الأغاني ومختلف لحونها، وَكَانَ لما سَافر إِلَى بَغْدَاد لينتمي إِلَى شيخ لما جرى لَهُ مَعَ ابْن الشّحْنَة مَا جرى، أَخذ مَعَه جملَة لينفقها على النَّحْو، فَلم يجد من يرضيه، فأنفقها على تعلم الضَّرْب بِالْعودِ، فأتقنه بِمدَّة يسيرَة، وعالج عَيْنَيْهِ لِأَنَّهَا كَانَت لَا تزَال مَرِيضَة، فَلم تصلح، وصادقه بِبَغْدَاد خلق كثير لدماثة أخلاقه ولطافته.

1 / 286