[السؤال الثاني في محبة المؤمن وكراهة الفاسق]
(2) السؤال الثاني (قال أبقاه الله تعالى) سؤال:
قد أوجبوا محبة المؤمنين وكراهة الفاسقين ، وهي معلومة
بالضرورة الدينية مع تصريح الحديث أن المحبة من فعل الله لا يعاقب المرء عليها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( فلا تلمني فيما لا أملك )) ، وقد يحب الإنسان زوجته محبة كاملة مع كونها فاسقة، وقد أوجب الله تعالى معاداة الفاسق وكراهيته وعدم محبته، وقال تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} فكيف الجمع بين ذلك؟.
*الجواب الثاني:
أن المحبة والكراهة تستعمل تارة ، ويراد بها الأمر الطبيعي الجبلي ، ومعناه ميل النفس بالطبع ، والاستحسان للشئ ، وهذا من فعل الله تعالى لايتعلق به ثواب ولاعقاب ، ولا أمر ولا نهي، وعليه يحمل حديث: ((اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك )) ، وإن كان يجب مدافعة المقدور منه في مواضع النهي من باب ((لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس)) ، ولهذا قال تعالى: {فلا تميلوا كل الميل..الخ } فعلق النهي بالكل الممكن، لا بالبعض غير الممكن، وتحصيل الممكن منه في باب الأمر واجب ، وتارة يستعمل ويراد به عمل القلب والجوارح الممكن للمكلف ، وهذا هو الذي يتعلق به الأمر والنهي والمدح والذم والثواب والعقاب ، ولهذا قالوا في الموالاة: أن تحب له كل ما تحب لنفسك ، وتكره له كل ما تكره لها ، ومعنى ذلك أن تعتقد وتنوي له ذلك ، ولا شك أن النية من أفعال القلوب الاختيارية، ومن جملة محبته تعظيمه بأفعال الجوارح، ورعاية حقوقه وتنزيله في منزلته، ولهذا قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} .
وأما قوله تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} فقد جاء في التفسير أن المراد بالمودة الجماع ، والرحمة الولد، وفيه شائبة من المعنى الأول ، لأن ذينك مما تميل إليهما النفس ، ويدل على صحة ما قلناه قوله تعالى: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} ، والله أعلم.
صفحہ 6