وأما قول السائل: وهل يحاسب على الصغائر أم لا؟ فظاهر الأدلة أنه لابد من الحساب على الصغير والكبير لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما من نبي إلا وهو يحاسب بذنب غيري )) ومن المعلوم أن ذنوب الأنبياء صغائر، وقوله تعالى: {ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} وقوله تعالى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} وقوله تعالى: {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} ، ويكون فائدة الحساب على الصغائر إظهار النعمة، والتمنن من الله تعالى، وصدق الوعد والوعيد ، وهذه ثمرة ظاهرة مثل ورود المؤمن على النار أي إطلاعه عليها ليعرف قدر ما هو فيه من النعمة، وما صرف الله عنه من النقمة، ومثل هذا محاسبة التائب على ما تاب منه سواء، ويكون الحديث المخصوص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مخصصا لعمومات أدلة الحساب.
ويبقي الإشكال في حديث (( إن لله سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب )) لما يلزم منه أن تكون حالتهم أفضل من حالة الأنبياء عليهم السلام مع النص على (( أنه ما من نبي إلا وهو يحاسب بذنب غيري )) ؟
ويجاب عنه بمنع اللزوم ، أعني أنه لا يلزم من محاسبة الأنبياء أن تكون حالتهم أدنى، بل يمكن جعل حديث السبعين الألف مخصصا ثانيا لعموم أدلة الحساب، ويمكن أن تكون محاسبة الأنبياء فيها زيادة نعمة وراحة لهم حيث تمحي عنهم تلك الصغائر، ثم يبلغون مراتب عالية على المكلفين، وثوابا ناميا على ثواب سائر المتعبدين لكرامتهم على الله وخلوص أعمالهم، ويعرفون بذلك أنه لم يساو بينهم وبين من ليس هو من معاشر النبيئين فتقر خواطرهم، ويزدادوا راحة إلى راحتهم سلام الله عليهم.
صفحہ 19