والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة مبسوطة في مواضعها وليست بمحل السؤال ، ولا يمنع قطعيتها كون بعض شروطها ظنيا كالكرم والتدبير ، إذ لا طريق إليهما إلا الظن ، وإلا لزم الدور لأن التدبير مثلا متوقف على الإمامة والإمامة متوقفة عليه ، ولها نظائر في القطعيات مثل الصلاة والصوم، فإنها قطعية وإن كان بعض شروطها ظنيا كالقبلة والوقت وبعض الطهارة ونحو ذلك، وفرض العالم ما ذكره السائل من الاختبار أو التواتر، وفرض الجاهل سؤال العلماء المحقين والاقتداء بهم ، وإن كان لا يفيد إلا الظن لأنهم قد نزلوا العالم في حق الجاهل بمنزلة الدليل في حق العالم، فيجب على الجاهل في هذه المسألة الترجيح بين أدلته التي هي العلماء إذا تعارضت كما يرجح العالم بين الأدلة الشرعية ، فيتحرى اتباع أهل العلم الراسخ والورع الكامل والخبرة التامة البعيدين عن الأغراض والأهواء والميل إلى الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة، فمهما فعل ذلك فذمته بريئة ، وقد فعل ما وجب عليه ولو بايع أو جاهد أو قتل أو قتل، وهذا الذي قضت به الأدلة القطعية ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه لأنه لم يرو عن أحد من الأئمة أنه أنكر على من تابعه وجاهد معه من العوام مع علمهم بأنهم لم يبلغوا درجة النظر والاجتهاد ، بل لا زال دعاؤهم إياهم متواترا ويلزمون البيعة والجهاد كرها، ولأنه لو كلف الجاهل العلم مع كون الأمور فورية لكان من تكليف ما لا يطاق ، ولما جاز للإمام أن يجبر على الواجبات التي أمرها إليه ، بل لا يقبلها لجواز كون فاعلها غير عاثر على اليقين في حقه، فكيف وقد قال أبو بكر بمحضر من الصحابة والله لو منعوني عقالا، أو قال: عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه، وجرى مجرى الإجماع في الحكم ، لا في إمامته ، بل العبرة بمذهب الإمام عند نفسه، فإذا علم صحة ولايته ، جاز له الإجبار كالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه قال: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله )) ، فلو كان لا يجوز له قتالهم حتى يعلموا بنبوئته لما قال هذا، ولقال: حتى يعلموا أني مرسل ، ولما ورد من الكتاب والسنة من الأدلة المفيدة للعلم على وجوب اتباع أهل البيت والكون معهم عموما وخصوصا مع الأئمة المحقين منهم مثل (( خبري السفينة )) و((إني تارك فيكم )) و((تمسكوا بطاعة أئمتكم))،وقوله تعالى{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وعلى الرجوع إلى العلماء من قوله تعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وقوله تعالى : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } وقوله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} وغير ذلك كثير ، فتقرر بذلك أن ليس للجاهل طريق إلى هذه المسألة إلا العلماء ، وهذا كله فيما يرجع إلى متابعة الجاهل ومبايعته وجهاده وتسليم حقوقه ونصيحته لإمامه ، وغير ذلك من العمليات.
صفحہ 14