11
لم يزل عنه، وإنما انتحل وضع جليس الأمراء، ويمثل دور هذا الجليس في كتبه الأهلية، فلما كان ملحقا عسكريا ببطرسبرغ نقل إلى زوجه كثيرا من مجاملات قيصر روسية وقيصرتها فختم كلامه بقوله: «إن ذلك جميل، ولكنني أفضل عليه إقامتنا الهادئة معا في هذا البيت، في كنيبهوف التي تروقني أكثر من كل حظوة لدى الملوك.» ويكتب ذلك من قصر الملك في براندبرغ، ولا شيء يمنعهما من الحياة بدعة في كنيبهوف، بيد أن عيش البلاط ليس بالذي يزدرى، ويكون حلم بسمارك أروع الحقائق إذا نقل قصر الملك إلى منزله فيضع السياسة والسلطان في جناح ويضع الهدوء وحنة في جناح آخر.
ولا غرو إذا ما شكا إليها حياة الهرج في برلين، مع أنه يود ألا يحرمها الآن، «وإليك صورة عن حياتي: ففي يوم السبت أقضي ما بين الساعة العاشرة صباحا والساعة الخامسة مساء في المراسم وأفاوض في الساعة السابعة رئيس الغرفة التجارية البحرية وأقلب الوثائق وأفحص الحسابات حتى الساعة العاشرة، ثم أقابل مانتوفل فيدوم تناول الشاي وحوك المكايد إلى منتصف الليل، ثم آوي إلى بيتي فأكتب كتبا إلى زمرة الناخبين، ثم ألزم سريري في الساعة الثانية من الصباح، وفي يوم الأحد أستيقظ في الساعة السادسة، وأقضي ما بين الساعة السابعة والساعة التاسعة في المفاوضة حول المنصب الوزاري في أنهالت-برنبرغ ، ويستمر وعظ بوشل حتى الساعة الحادية عشرة، ويستمر الحديث مع وزير الداخلية حتى وقت الظهر، وتستمر الزيارات حتى الساعة الثالثة، فإذا حلت الساعة السادسة واجهت غولتز وكلمته في أمر فوضه إلي أمير بروسية، ثم أكتب حتى الساعة التاسعة، ثم أجتمع بستولبرغ، ثم أذهب إلى فراشي في الساعة الواحدة صباحا.»
وفي نهاية الأمر - أي في ربيع سنة 1851 - يحمل الجنرال غرلاخ الملك على إرسال بسمارك إلى فرانكفورت، ويقول غرلاخ: إن هذا التعيين من عمله، ونفترض أنه مقدما، بحث مع صديقه بسمارك في الأمر مليا حول اتباع وجهته في البندشتاغ من قبل بسمارك - رضيعه السياسي كما كان يعد - ويجاوز هذا التعيين، الذي كان يدور في خلد بسمارك - والذي لم يفتأ بسمارك يحوك من أجله الدسائس منذ شهور - آمال بسمارك المعقولة، وإن كان دون ما تصبو إليه غطرسته بمراحل، وفي بروسية كان لا بد - لإدخال مثل ذلك العبقري إلى الدواوين بمرقاة الخدمة - من إبداء «الحكومة المكنونة» كثيرا من اللباقة في سنين طويلة ومن مكايد في البلاط والوزارة غير قليلة.
وهنالك يصف لزوجته - بسذاجة سياسية كبيرة - ما كللت به من النجاح جهوده التي بذلها في ذلك السبيل، فكان أمره وهو الجوال غير المؤذي كصياد الطيور هنري الذي عرض عليه التاج حينما كان يحتبل
12
العصافير، وإلى حنة يكتب قوله بعد عودته من عندها إلى برلين: «إن كل إنسان يتكلم حول تعييني لفرانكفورت، واليوم قد ذكر الأمر في فوسيش زايتنغ، ولكنني لا أعرف شيئا عنه.» وفي اليوم التالي يكتب إليها قوله: «حقا إنهم يودون تقليدي منصبا سياسيا، وأود - فضلا عن ذلك - مقاما ذا ديمومة فأستطيع أن أرتب نفسي معك يا ملاكي. ومن الممكن أن يحبط الأمر لهذا الشرط، وسأترك من فوري منصبا لا أستطيع أن أعيش فيه مع أسرتي.» وفي كل حال «يجب علي أن أترك عاداتي الطيبة، وأن أترك أملي في العيش معك ومع الأولاد بهدوء كالذي اتفق لنا في شتائنا الأول، وهذا لأمد بعيد ما رزحت تحت ذلك النير، ولا ريب في أن الرب سيفعل ما يلائم نفوسنا، ألا إنني لم أعرب عن أمل مطلق، ولا يضيق صدري.» وفي الغد يكتب إليها قوله: «عزيزتي، أصبح ذهابي إلى فرانكفورت ضربة لازب تقريبا، وذلك مع التعويض، وإن كان لأجل مسمى.»
والرب هو الذي يعين مصير بسمارك في مكان غرلاخ، وما كتبه حول المنزل والأسرة، وحول رغبته في منصب دائم، وحول هوان العمل تحت «النير» حين كتب له النجاح فأمور حقيقية؛ وذلك لأنه وإن كان يحتمل حياة العمل بلا راحة، يحتمل الراحة بلا عمل، فلما سأله مانتوفل بعد يوم عن قبوله المنصب أجابه بقوله البسيط: «نعم»، ولكنه لم يكد يثق بأمر تعيينه حتى أنشط زهوه من عقاله بعد أن ظل مكبوتا زمنا طويلا، وهكذا يذهب إلى الملك.
الملك :
لقد بلغت من الجرأة ما تقبل معه منصبا في الخارج من غير سابق تجربة.
نامعلوم صفحہ