وكان ذلك على مسمع من الملكة، فقالت: ليس الملك هو الذي يلام على ذلك، وهو الذي لم يقدر على النوم ثلاثة أيام. - «على الملك أن يستطيع النوم!» - العودة من دائرة البلدية خير من الذهاب إليها، وأنتم يا رجال المجلس الاشتراعي أدرى من غيركم، وليس التأنيب أقوم الوسائل في تقويم عرش منكوس، ولا بد لذلك من المعاضدة والهمة والتضحية لا النقد والتنديد.
ويؤدي ذلك الكلام إلى جعل الضيف بسمارك يشعر فورا بأنه «عزل
2
منيل
3
كله».
وهكذا كانت مقابلة بسمارك السياسية الأولى لملك بروسية، وقد كان وضعه سهلا في الحقيقة، فهو ملكي عذل الملك، وكان وضعه صعبا من حيث الشكل؛ فهو قد دخل القصر ليعنف في الواقع، وهو قد غلب لمعاملته بالحسنى، ويرضى الملك بنقده مترفقا به رفقا أبويا، ويوصي غرلاخ بعد زمن قليل بتعيين بسمارك النائب وزيرا فيعلق الملك على ذلك قوله: «ينتفع به في وقت يكون الحكم فيه للحراب.» فهذا الحكم الباطل سياسيا صحيح نفسيا في ذلك الدور الأول؛ فالحق أن بسمارك عازم عزما صارما على الدفاع عن أمره بكل وسيلة.
وتود الحكومة أن تسير على غرار البلاد الأخرى، فتلغي مبدأ إعفاء الأراضي الإقطاعية من الضرائب فيكتب بسمارك إلى الملك كتابا خاصا يقول فيه مبالغا: «إن هذه المصادرة تطعن الأملاك الكبرى طعنا استبداديا لم يأت بمثله غير الطغاة والفاتحين حتى الآن، فذلك عمل قسري ظالم موجه إلى رعايا عزل من السلاح في الوقت الحاضر، مخلصين للعرش منذ قرون. وإننا مع أكثرية الشعب الشاملة نعدكم - يا صاحب الجلالة - مسئولين أمام الله والأعقاب إذا ما أبصرنا اسم الملك الملقب أبوه بالعادل في ذيل القوانين القائلة بترك الدرب الذي سار عليه ملوك بروسية فاشتهروا معه اشتهارا أثيلا بإنصاف نظيف غير مشوب فجعلوا من طاحون سانسوسي أثرا تاريخيا.» وبتلك اللهجة المتوعدة يجرؤ - ضالا - على مقاومة مليكه الذي لم يلقب أبوه بالعادل قط.
وهو - في الوقت نفسه - يكتب مقالات للفلاحين ضد الثورة محاولا إبطال عمل الجرائد التقدمية والصحف الثورية، وهو يغدو من مؤسسي الحزب الزراعي وصحيفته المسماة كروززايتنغ، فيكتب لها الشيء الكثير في السنوات القليلة القادمة، وهو لا يألو جهدا في سبيل انتخابه نائبا في المجلس الوطني ببرلين، فإذا ما سقط في الانتخاب اشترك اشتراكا عنيفا في «دسائس القصر والمجلس»، فتسفر هذه الدسائس عن انقلاب في نوفمبر يؤدي إلى حل ذلك المجلس قوة وطغيانا ، وهو يضع نفسه في حرز حريز قبل وقوع ذلك، فيقول في كتاب يرسله إلى زوجته: «لا أرى أن أنتظر استفحال الأمور هنا، كما لا أرى أن أرغب الرب في حفظي من الأهوال التي لا أود البحث عنها، ولكن الخرق إذا ما اتسع وجدت بجوار الملك مع ذلك، فلك أن تثقي بأنه لن يكون خطر هنالك، معربا عن أسفي على ذلك.»
ولم يدخر وسعا لإعادة انتخابه، ويحاول نيل مؤازرة دائرتين لنفسه، ويبلغ من الاتضاع ما يشيد معه بممادحه، ويرسل إلى بودلشوينغ كتابا يلتمس فيه، عند عدول مخاطبه هذا عن دائرة تلتوف، وذلك بفضل إمكان الانتخاب في دائرتين، أن يوصي الناخبين هنالك بأن يصوتوا للأستاذ ستاهل بدلا منه، «وإذا كانت مناحي هذا الأخير الدينية تحول دون ذلك أمكنكم أن تحولوا جهدكم إلي، فلدي ما يجعلني أعتقد أن توصية منكم يا صاحب السعادة ذات أثر فعال في ذلك. وتجدونني جادا في نيل مبتغاي بهافلند «براندبرغ» مع قليل أمل، ريثما أظفر بذلك. خادمكم المخلص، فون بسمارك.»
نامعلوم صفحہ