أن يثبت أن تلك المواكب لا توجب أي أذى في المزروعات، وأنها تنفع في تحسين جنس الخيل، وأن الحصن هي ألمانية، وأن السياط وحدها هي إنكليزية، وأنه يود «أن يفضح كثيرا من كبار الأشرار الذين يجلبون سياطا من إنكلترة فضلا عن صابون الحلاقة والقمصان والجبن المعروف بالشستري.» ثم يهاجم كاتب تلك المقالة فيقول إن عوامل شخصية لا عوامل جدية، هي التي حفزته إلى كتابتها. ومن الواقع أن كان اسمه الخاص وفروده قبضته، ومن الواقع أن تناول المسائل الاجتماعية والسياسية، فقال: «إن مما أعلمه جيدا أن يبدو أشخاص لابسون معاطف حمرا مستوون على صهوات
10
الجياد سائرون في مواكب صيد مع كلاب سلوقية مطاردين أرنبا، راضون عن أنفسهم وعن عملهم ، فيمقتهم الأرانب ومن ليس قانعا بنفسه ولا بالعالم، ومن هو لابس ثيابا سودا، ومن ليس عنده خيل ولا كلاب ولا قنص ولا هوس إلى الرياضة.» وقال: «إنه من طبقة أولئك الأشراف الذين يقوم امتيازهم الشامل على إضافة كلمة «فون» إلى أسمائهم، كسحاب مركوم تنقله قوى الدهر الغامض الأمر فيحجب عن ألمانية الحزينة شمس المساواة المدنية والاجتماعية.» ثم ختم كلامه بقوله: «إنه ترك للبوميراني من المنافع ومن الحرية الشخصية ما يمكنه أن يتلهى معه بماله كما يشاء.»
ذلك هو أول اعتراف سياسي صدر عن بسمارك أيام كان في الثامنة والعشرين من سنيه بسبب بعض الأرانب وجذامة
11
بعض الحقول، ولكن مع تعزير أولئك الذين يريدون تحدي امتيازه، وبذلك يسير خطوة إلى الأمام، وبذلك لا يقف بسمارك عند الدفاع عن طبقته العليا، بل تبصره يهزأ بالطبقة الدنيا التي لا صيد لديها مع جوابه الخبيث القائل إنه ليس عندها أي هوس إلى القنص، وبسمارك يقابل بين الأرنب وابن الطبقة الوسطى أو الفلاح الذي ينظر حاسدا على الموكب حين مروره مسرعا، ولو سأله أحدهما تعويضا عادلا لأعطاه إياه من فوره، ولكن مهاجمة امتيازاته عند صولة المبادئ الجديدة مما يحمله - في الحال - على التسلح بسلاح أجداده. ولم تكن كلمات بسمارك السياسية الأولى إلا كلمات رجل يجاهد في سبيل طبقته.
وقبيل ذلك يقوده السأم إلى خطبته الثالثة، وخطيبته في هذه المرة هي ابنة من الجوار اسمها أوتيلي فون بوتكامر، وتعارض أمها في زواجها به، وفي ذلك يقول: «مضت خمسة عشر يوما فتشاجرت مع أم خطيبتي التي أرى من الإنصاف أن أصفها بأخبث امرأة عرفتها في حياتي، والتي لم تبصر أنها بلغت من الكبر ما لا ينبغي أن تعشق معه.» وتود هذه السيدة أن تفرق بين الخطيبين سنة كاملة لسوء سمعة أوتوفون بسمارك، ويتوسط أبوه فرديناند في الأمر كتابة. وأوتو هو الذي أملى ذلك الكتاب السياسي - كما هو واضح - ولا يسعنا غير الضحك حينما نقرأ فيه وصفه لنفسه بأنه «ذو حيوية وعقل عند الإغضاء عن كبريائه»، بيد أن الحماة ظلت صعبة المراس، فأملت على ابنتها (خلافا لما هو مألوف في كنيبهوف) كتابا مؤذيا جائرا.
ويسقط في يد بسمارك بسبب الإهانة على الخصوص، لا بسبب تلك الفتاة التي نسيها في غضون السنة تقريبا، ويرى بسمارك أن «مما ينافي عزته أن يبدي ألم فؤاد جريح، وأن يفرج عن نفسه بإطلاق نار على الإخوان»، ويسيح ويقصد من سياحته «أن يزيل غمه في البلدان الأجنبية»، ويصرح بعد ذلك بقوله: «إنني بلغت من فتور الهمة ما أعد به من السعادة العظيمة ذلك الذي جعلني أغضب على القدر.» ولكن ذلك الجرح ظل ذا أثر عميق في كرامته، فلما انقضت أربعة أعوام أرادت الأم وابنتها تسوية الأمر وإعداد الزواج، فأبى ذلك وقد قال لصديق له: «إن ما كان من مساورة تلك المشاعر في سنوات لإحساسي المهان ومن إخفار ذمتي ومن إخزاء كبريائي ترك في بقية مرارة لا أظنني قادرا على استئصالها. ومما يعسر علي أن أنسى - بعض النسيان - سبا مؤثرا مع رغبتي الصادقة.» وفي ذلك الحين يقول مؤكدا: «إنني لا أستطيع أن أحب.» وهكذا تبصر رسوخ الزهو والحقد في قلب يبدو الغرام والتضحية غريبين عنه في الساعة الراهنة.
وتسوقه تلك السياحة التي قام بها في السنة السابعة والعشرين من عمره إلى إنكلترة في بدء الأمر، وينزل إلى البر في هول، ويبدي ملاحظات حول الصفير يوم الأحد، ويعود إلى السفينة من فوره، ويتوجه إلى اسكتلندة، ثم يبصر خارج مجلس اللوردات بلندن حصن ركوب تنتظر هؤلاء «بدلا من العربات»، ويبصر أناسا من الوجوه يمرون مسرعين على ظهور الخيل فيؤثر ذلك كله في نفسه كثيرا، ويقيد كل شيء خاص بعالمه، ويقول في كتاب يرسله إلى أبيه: «إن ما يخصص من العلف لخيل فرسان يورك التي لم تشتغل حتى الآن هو بوشل
12
نامعلوم صفحہ