الإمبراطور :
حتى لو أمرك مولاك بذلك؟
بسمارك :
حتى لو أمرت بذلك يا صاحب الجلالة!
ولم يسبق أن سمع بسمارك الذي «شاهد ثلاثة ملوك» كلمة «أمر» تخرج من فم أي واحد من سادته هؤلاء وإن لم تزل تستعمل في المراسيم تبعا للعادة القديمة، حتى إن المليك الأول كان قد قال للسفير الشونهاوزني الشاب بسمارك إنه لا «يأمره» بالذهاب إلى فينة، بل «يطلب منه» أن يفعل ذلك.
ويدل أشد كتب ولهلم الأول المرسلة إلى وزيره في ست وعشرين سنة اشتمالا على الغضب على تقيد في اللهجة جدير بالذكر، وكان هذا القيد الأكبر غير المكتوب هو الشرط الضمني الذي وافق به على الخدمة ذلك الذي خلق للقيادة، وهو إذا ما أنب زال ولاؤه، ولا تكون إلا متعذرة خدمة بسمارك إذا اختلفت صلته بمليكه تحت أزهار الولاء عما يكون عادة بين رجلين شريفين متساويين مرتبة، والآن ينهار البناء بأسره أمام تلك المسألة ذات الصرير فلا يبدو سوى شريف أمام شريف. ويسفر ما حدث في تلك الساعة الهائلة من توتر عن فقد ولهلم لشجاعته التي أعدها بعناية وعن عدم ضبط بسمارك لنفسه عدة دقائق.
وفيما كان الإمبراطور يتمتم معتذرا ويقول إنه قصد الرغائب لا الأوامر وإن المستشار لا يمكن أن يكون قاصدا إحداث شغب في الشعب؛ صاح بسمارك غاضبا قائلا: «هو كذا! ولا بد من وقوع مثل تلك الاضطرابات في بلد لا يعرف أحد فيه ماذا يهدف إليه الإمبراطور بسياسته!»
ويرتعب الإمبراطور الشاب، وهو لم يتعود الكفاح مقابلة على ذلك الوجه، ولكنه يظل هادئا أكثر من ذلك القطب السياسي الشائب في بدء الأمر، ويتكلم عن إنقاص طلب زيادة الجيش حتى يمكن الاتفاق مع الريشتاغ الجديد طامعا أن يثير هذا الاقتراح غضب ذلك المكافح الشيخ فيقدم استقالته، ولكن بسمارك يسترد رباطة جأشه ويبصر نصب شرك له فيصرح بأنه يستقيل إذا رغب الإمبراطور في ذلك. وهكذا، يحاول كل من الرجلين إلقاء التبعة على عاتق الآخر، وتكاد عواصف ذلك الكفاح الأخير حول السلطان تضطرب بلا صوت تحت سطح تلك المحاورة المستحرة، والآن يبدأ الإمبراطور قوله: «عاد وزرائي لا يقدمون إلي أي تقرير شفوي، وقد قيل لي إنكم منعتموهم من ذلك بغير موافقتكم مستندين في ذلك إلى أنظمة مهملة منسية.»
ويبدي بسمارك اعتدال دم فيوضح له أنه عمل وفق نظام صادر سنة 1852 قائل إنه يحق للملك بعد أن يناقش رئيس الوزارة في الأمور أن ينحاز دوما إلى الوزير المختص ضد رئيس الوزارة، فيقضي بذلك. ويقول بسمارك إن هذا النظام ضروري لا ينبغي إلغاؤه.
وهل سدت جميع الطرق المؤدية إلى السلطان إذن؟ يحاول الإمبراطور أن يهاجم من جهة ثالثة، فيدنو من الرجل الشائب منتحلا لهجة ولي عهد قائلا إنه يلتمس أن يشرك بأكثر من قبل في إدارة الأمور وأن يذاكره المستشار قبل تقرير الشئون المهمة، وهل معرفة الإمبراطور قليلة بالرجل الذي هو أمامه؟ يرفض بسمارك بغلظة عمل أي شيء من ذلك، معتمدا على نصوص الدستور، ويتكلم عن صلاته بولهلم الأول ويقول باختصار: «وجب أن تكون قراراتي معدة عندما أجيء إلى جلالتكم.»
نامعلوم صفحہ