بسمارك: حياة مكافح

کاڈل زوکایتار d. 1377 AH
183

بسمارك: حياة مكافح

بسمارك: حياة مكافح

اصناف

وجهه، وكان زعيم بافارية الأمير كلودويغ هوهنلوهه وقد ذكر هذه الملاحظة معارضا لفكرة انتساب بافارية إلى الجامعة، وكان البلاط البافاري والمجتمع البافاري معارضين لذلك أيضا، نعم إن بافارية بلد كاثوليكي، ولكن بروتستانية الشمال لم تكن وحدها سبب الاعتراض؛ فما كانت بافارية لتطلب أكثر من «جامعة لدول ألمانية» وفق ما يقتضيه «وضع آل فيتلسباخ التاريخي» وتفضل بافارية أن ترتبط في النمسة أكثر من ارتباطها في بروسية، ويرى هوهنلوهه بعد معركة كونيغراتز احتمال وقوع حرب بين بروسية وفرنسة، فيقول: «إذا ما حدث ذلك حاربت بافارية والنمسة بجانب فرنسة.» حتى إن الناس في ورتنبرغ كانوا في أوائل سنة 1870 يفضلون «أن يكونوا فرنسيين أكثر من أن يكونوا بروسيين»، وذلك لأسباب أخرى؛ وذلك لأن أهل ورتنبرغ كانوا يودون أن يكون لهم جيش محلي على طراز الجيش السويسري فلا يكون «آلة لقتل الأمم»، وذلك حين كانت ملكة ورتنبرغ الروسية الأصل تحوك المكايد ضد بروسية، ودوك هس الأعظم هو الذي كان يقيم أدق دليل على مشاعره الألمانية، فهذا الدوك ويؤيده وزيره دالفيغ قد أنبأ في خريف سنة 1868 محافظ ستراسبرغ بأن ذلك هو الزمن الذي يجب على فرنسة أن تهاجم فيه بروسية، ويقدم هذا الدوك في الوقت نفسه قسم هس الواقع في غرب الرين إذا ما عوضه نابليون الثالث من ذلك على حساب دوكية بادن.

وينتظر بسمارك هادئا، ويدع بسمارك للدول والأشخاص من الوقت ما يكفي للتقرب، ويقول لوزير ورتنبرغ في ربيع سنة 1870: «لا تؤدي محالفة دول الجنوب إلى تقويتنا عسكريا، ولا نحتاج إلى إدماج هذه الدول فينا سياسيا، ومن الصعب أن يعرف أشد الناس عداوة لبروسية: أمحليوكم أم ديمقراطيوكم، ويأتي الضروري قبل الكمالي عند السياسي، وإذا ما ألقيت شركا لاصطياد أيل لم أطلق النار على أول أيل يأتي، وإنما أنتظر تجمع جميع القطيع.»

الفصل الثالث عشر

ما انفك بسمارك يتطلع إلى فرنسة منذ عشر سنين، ولا سيما في الأشهر العشرة الأخيرة؛ ففرنسة هي الدولة الوحيدة القادرة على الوقوف بينه وبين هدفه، وكان هذا القطب السياسي يهدف بطموحه إلى توحيد ألمانية من غير أن يقهر فرنسة؛ وذلك لأنه لم يثر فخره شيء أكثر من براعته في منع فرنسة من التدخل في الحرب الأخيرة، ولا جرم أن ما فطر عليه بسمارك من عنف مزاج يوجب عده الحرب من «أحوال البشر الطبيعية»، ولكن كما أن خصام بسمارك للشعب كان لا يؤدي إلى رغبته عن الحكم بغير الأشراف، ولكن كما أن ما يجده بسمارك من لذة في مخاطر الصيد والغابات البرية والمبارزات الفردية والتمرينات العسكرية كان لا يؤدي إلى حسبانه الحرب وسيلة وحيدة لتقوية إحدى الأمم، كان بسمارك في عشرات آلاف الجمل التي كتبها أو نطق بها فرويت عنه لا يرى في الحرب مغتسلا يشد الشباب، وما كان بسمارك في كتبه حول الحرب ليتكلم عن عظمة الحرب، بل كان يتكلم فيها عن جدية الحرب، وبسمارك - وقد كبر أولاده - درس أمر الحرب عن كثب في بوهيمية فصار خصما للحرب، وبسمارك قال مؤكدا غير مرة: إن منظر ميادين القتال ومنظر المشافي العسكرية جعلاه أكثر حذرا مما كان عليه، وبسمارك لم يقل هذا أمام الأجانب وحدهم تسكينا لهم، وإنما قاله لخلصائه أيضا.

وإلى ذلك يضاف شعوره النامي بمهنته، وكلما ذاع صيت بسمارك في أوروبة وفيما وراء أوروبة وكلما اتسع نطاق استخفافه قل إعجابه بفن القيادة الحربية، وبسمارك قد قال بعد نصبه رئيسا للوزارة ببضعة أشهر: «إن الناس أكثر غباوة مما كنت أظن!» وبسمارك إذ لم يعرف الخوف قط، وبسمارك إذ كان يشابه سيغفريد

1

وهاغن

2

من هذه الناحية، وضع الحرب غير هياب في جامع أدويته، عازما على استعمال هذا السم القوي عند عدم نفع السموم الأخرى، والذي يجعل بسمارك وحيدا بين الألمان هو ما اتصف به من ذكاء نادر وشجاعة فائقة.

وبسمارك - فضلا عن ذلك - لم يجد له نفعا في فتح يتم له في فرنسة، وبسمارك كان يفضل قهر فرنسة في الميدان الدبلمي على قهرها بجيش مولتكه في الميدان الحربي، وبسمارك - مع ذلك - كان يعد الحرب - في غير دور - أمرا لا مفر منه، وبسمارك قال في اللندتاغ في أواخر سنة 1866: «ليس لنا ما نكسبه في حرب تقع بيننا وبين فرنسة فننصر فيها، ويختلف الإمبراطور نابليون «الثالث» في هذا عن بقية أسر فرنسة المالكة فيرى بعين حكمته أن السلم والثقة أمران تقتضيهما مصلحة الأمتين، وأن الطبيعة لم تعد إحدى هاتين الأمتين لتحارب الأخرى، بل تقضي عليهما بأن يسلكا سبيل الرقي جارتين، ولا تود فرنسة أن تقوم في ألمانية دولة قوية موحدة بزعامة النمسة، ولا توازن بقيام إمبراطورية مشتملة على خمسة وسبعين مليونا من الآدميين ولا بامتداد حدود النمسة حتى نهر الرين، ولا بتوسع فرنسة حتى نهر الرين، ولا يكون إلا قليلا ما يؤدي إلى علاقات عدائية من نقاط التماس بدولة ألمانية منفصلة عن النمسة، ولا أعتقد أن فرنسة ترى من مصالحها زوال سلطان بروسية أو سلطان النمسة.» وبسمارك منذ عشر سنين كان قد حادث نابليون الثالث في حديقة فونتنبلو فقال له: «إنك ستقع في الوحل.»

نامعلوم صفحہ