أليس من أتم الانتصارات ابتهاج النمسة بعد محاولة تجديد الجامعة الألمانية بشهرين تجاه ما أبصرته من السكوت عن المسألة ومن إرسالها مذكرات واحدة معنا إلى أصدقائها السابقين؟ لقد أنجزنا في هذا الصيف ما سعينا إليه مدة اثنتي عشرة سنة على غير جدوى؛ فقد انتحلت النمسة برنامجنا الذي كانت تهزأ به في شهر أكتوبر الماضي، وقد فضلت الحلف البروسي على حلف فرتزبرغ، وقد قبلت العون منا. واليوم لو أدرنا ظهرنا إليها لسقطت وزارتها، ولم يحدث قبل الآن أن اتبعت فينة سياسة برلين على ذلك الوجه إجمالا وتفصيلا، وتدارينا فرنسة. ولصوتنا في لندن وسان بطرسبرغ من التأثير ما لم يكن لنا منذ عشرين عاما. ويجب أن يقوم سلطاننا على سياسة القوة المستندة إلى السلاح لا على مناقشات المجالس والصحافة، وليس لدينا من القدرة والصبر ما نبدد معه تلك القوة في جبهة زائفة وفي تنميق الجمل وفي سبيل دوك أوغوستنبرغ. ولا أعتمد على النمسة اعتمادا لا حد له، ولكنني أرى من الصواب أن نجعلها بجانبنا في الوقت الحاضر، وسيحل وقت الانفصال، فأينا يكون مصدره؟ هذا ما يكشفه المستقبل.
وردت تلك العبارات في كتاب طويل أرسله بسمارك إلى غولتز بباريس في عيد الميلاد سنة 1863، ولا نكاد نلومه في مباهاته لمنافسه على ذلك الوجه، وكتابه ذلك ضرب من مناجاة النفس أو صدى لمائة مناجاة مقصودة على ما يحتمل؛ وذلك لأنه يعني نفسه بكلمة «نحن»، وهو يشعر بأن ساعة ظهوره قطبا سياسيا حانت ولم يبق لدخول سنة 1864 سوى أيام قليلة.
ويسبق ويرافق النزاع الصامت بين بسمارك والملك، جدال صاخب في اللندتاغ، ويثبت نقاش الديمقراطيين صعوبة القيام بسياسة خارجية مع برلمان ما لم تسر جميع الدول على هذا النهج، وهذا ما كان يتعذر أمره أحيانا.
فيرشوف :
يجب أن يخبر الملك بالخطر الذي يحيق بنا؛ فقد انتحل رئيس الوزارة وجهات نظر مختلفة في وقت قصير، وهو يسرع بلا بوصلة في بحر زاخر بالمعضلات الخارجية، وليس لديه مبدأ موجه له، ومن ضعفه أنك لا تجد لديه إدراكا لما ينبعث من قلب الشعب، وهو لما يلجأ إليه من العنف يصيب مصالح ألمانية وبروسية المقدسة بأفدح الأضرار، وهو ألعوبة بيد الشيطان، وهيهات أن يتخلص من براثنه.
بسمارك :
لا يستطيع مجلس مؤلف من ثلاثمائة وخمسين عضوا أن يدير في أيامنا دفة سياسة دولة كبيرة بأن يفرض على حكومتها برنامجا تسير عليه إلى أقصى حد، وإن السياسي الذي ليس اختصاصيا في العمل ليعد كل حركة على رقعة الشطرنج نهاية للعب، والوهم يتطرق إليه من تبدل الهدف باستمرار، ولكن السياسة ليست علما محكما، ولا أخشى الديمقراطية، ولو خفتها لخسرت اللعب (صوت: لعب! لعب!) وإذا رفض المجلس الموافقة على ما نحتاج إليه من الوسائل اضطررنا إلى نيل هذه الوسائل حيث نجدها.
ويرد المجلس اقتراح قرض الحرب ويفض المجلس ولا يجتمع قبل انقضاء سنة.
ويبلغ الكفاح غايته، فيبدو الخلاف من خلاله كالشرر، وتردد الكلمات: أقدس المصالح، والهوى السياسي بلا بوصلة ولا معرفة، والمبادئ، ولعبة الشطرنج! وما كان من تسليم الطبيعي الملحد فيرشوف عدوه إلى الشيطان بدلا من أن يتخذ السياسي النصراني بسمارك مثل هذا الوضع تجاهه، فيرجع إلى مثل تلك المحاولة كل ما تنطوي عليه هذه العبارات من لسع قارص.
وفيما كان بسمارك يشير في المجلس إلى سلطة الملك كان يهدد الملك بالمجلس قائلا لا شيء يسكت خصوم إصلاح الجيش غير سياسة خارجية قوية، غير الحرب، ويقرأ بسمارك العزائم على كاروليه ببرلين ويرهب رشبرغ بفينة حين يذكر له ما تشتمل عليه مشاعر الألمان القومية من بذور الثورة، ويبدي المجلس الإمبراطوري بفينة من الروية ما يهزأ به أحد أعضائه بتقرير رشبرغ المغرور، فيقول: «ترانا ذاهبين إلى الحرب حلفاء للوزارة البروسية التي يمقتها جميع العالم، وتقض أكاليل بسمارك مضاجع ساسة الدول الأخرى، وفي بروسية يصرح بضرورة التوسع، ولم تكد بروسية تهضم أرض سيليزية التي اغتصبتها حتى أخذت تنشب أظفارها في الدوكيتين، ونرسل أحسن فرقنا الموسيقية العسكرية للعزف بالسلام البروسي! فبأي لحن تخرج؟»
نامعلوم صفحہ