بلا قيود
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
اصناف
2
لكل هذه الأسباب استخدمت المصطلح التقليدي «أشباه البشر» طوال الكتاب باعتباره المصطلح المفضل لكل الأنواع ذات القدمين فيما قبل التاريخ وفي العصر الحديث في شجرة العائلة البشرية. على عكس «أسلاف الإنسان» - الذي صار مؤخرا مصطلحا مفضلا في علم الإنسان القديم وعلم الحفريات الأكاديميين - ظل مصطلح «أشباه البشر» جزءا من القاموس العلمي لقرون، وصار مقبولا وراسخا في الاستخدام العام، وما زال كل القراء المثقفين يعرفونه ويفهمونه. والأهم أنه ليس أقل ملائمة من مصطلح «أسلاف الإنسان»، مع وضع التعريفات الحالية لمصطلحات أشباه البشر والقردة العليا وأسلاف الإنسان في الاعتبار.
المراحل الثلاث المتمايزة لتطور الإنسان
حين نطالع بدايات تطور الإنسان الأولى نستطيع أن نرى أنه جرى في ثلاث مراحل متمايزة. كان لأشباه البشر في كل مرحلة تشريح مميز، وتنوع مميز في أحجام الدماغ، ومجموعة مميزة من الأدوات والأسلحة، وتوزيع جغرافي مميز. يمكن تحديد الأنواع التي تمثل هذه المراحل الثلاث بسهولة بتقسميها إلى ثلاث مجموعات، سأشير إليها في هذا الكتاب بأسماء «أشباه البشر الأوائل» و«البشر الناشئين» و«بشر العصر الحديث».
بدأت المرحلة الأولى - مرحلة أشباه البشر الأوائل - منذ نحو خمسة ملايين عام، حين تطور لدى قردة ما قبل التاريخ تدريجيا القدرة على الوقوف والسير والركض بقامة منتصبة تماما. البقايا الأحفورية الشهيرة للوسي، واحدة من أقدم أشباه البشر الأوائل هؤلاء، كانت من نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس، وحاليا يعرف علماء الحفريات خمسة أنواع أخرى على الأقل.
صنع أشباه البشر الأوائل أدوات حجرية بدائية من نوعية «أولدوان»، لكنهم لم يتركوا دليلا على استخدام النار أو العيش في الكهوف. ورغم أنهم كانوا يقفون ويسيرون ويركضون بقامة منتصبة، فقد ظلوا محتفظين بالأذرع الطويلة، وعظام الأصابع المتقوسة، وأصابع الأقدام الطويلة، والأكتاف الضيقة التي تميز بها أسلافهم ساكنو الأشجار. استمرار هذه السمات الشبيهة بالقردة في أشباه البشر الأوائل ذوي القامة المنتصبة لهو دليل مقنع على أنهم استمروا في تسلق أعالي الأشجار حتى يناموا ليلا لتجنب الحيوانات المفترسة الضخمة، خاصة القطط الكبيرة التي كانت أخطر أعدائهم الطبيعيين.
ورغم أن أشباه البشر الأوائل كانوا مبتكرين وواسعي الحيلة، إلا أنه غير مرجح أنهم كانوا أكثر ذكاء من القردة العليا بدرجة كبيرة؛ فمقارنة بدماغ إنسان العصر الحديث الذي يبلغ متوسط حجمه 1400 سنتيمتر مكعب تقريبا، كان دماغ أشباه البشر الأوائل أكبر قليلا من مخ الشمبانزي النموذجي البالغ 375 سنتيمترا مكعبا، ولم تكبر أدمغتهم بدرجة كبيرة قط خلال ملايين السنين التي سكنوا فيها أفريقيا الاستوائية.
لا بد أن يرى التاريخ الطويل لأشباه البشر الأوائل باعتباره التأقلم الموفق لوضع القامة المنتصبة والتحرك على قدمين لدى رئيسيات لديها القدرات الذهنية لقردة شديدة الذكاء. صنعت هذه الكائنات الحراب وعصي الحفر، ونجحت في صيد حيوانات أخرى وقتلها، ودافعت عن أنفسها ضد أعدائها الطبيعيين، وعاشت في ازدهار نحو أربعة ملايين سنة. وهي فترة زمنية أكثر 800 مرة تقريبا من التاريخ الكامل للحضارة المدنية التي بدأت في بلاد الرافدين القديمة منذ خمسة آلاف عام.
في وقت ما في الماضي بعد مرور مليوني سنة، بدأ يظهر في القارة الأفريقية جماعة من أشباه البشر أكثر تطورا بكثير، وذوي أدمغة أكبر حجما بدرجة كبيرة. على مدار المليون سنة التالية تقريبا تفوق هؤلاء البشر الناشئون بالتدريج بأدواتهم الحجرية الأشولية المتقدمة وتقنياتهم، وحلوا محل أشباه البشر الأوائل الأكثر بدائية . ومنذ ما يقرب من مليون عام كانت كل الآثار الدالة على وجود أشباه البشر الأوائل قد اختفت من سجل الحفريات، كانوا قد انقرضوا على ما يبدو.
كان البشر الناشئون أكبر حجما وأطول قامة، بالأكتاف العريضة والخصور النحيفة التي تمتاز بها جماعات بشر العصر الحديث. علاوة على ذلك كانت أصابعهم مستقيمة وليست مقوسة، وأذرعهم أقصر، وأصابع أقدامهم قصيرة وعريضة. وهذا يدل على أن البشر الناشئين لم يعودوا قادرين على التكيف مع تسلق الأشجار للنوم ليلا؛ فقد صار البشر الناشئون يسكنون الكهوف، واستحدثوا استراتيجية مختلفة - استخدام النار - لحماية أنفسهم من الضواري الكبيرة والخطيرة في بيئتهم.
نامعلوم صفحہ