بلا قيود
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
اصناف
في مجتمعنا الحديث كثيرا ما تعيش الأسر الممتدة متناثرة على مساحات جغرافية كبيرة، إلا أنها لا تألو جهدا للاجتماع دوريا من أجل المناسبات الاحتفالية المعتبرة في تقاليدنا الثقافية، مثل العطلات وأعياد الميلاد والأعراس واحتفالات الذكرى السنوية والجنازات؛ فقد خلقت الحضارة الحديثة تنوعا معقدا من المجموعات المتداخلة والمتشابكة المتصلة بمجالات عديدة مختلفة من الحياة البشرية، وقد صار كل هذا ممكنا بفضل التعقيد البشري الهائل في المجتمع الانقسامي الاندماجي.
فنحن أفراد في أسرنا المصغرة المكونة من أبوين وأبناء، وكذلك في الأسر الأكبر الممتدة التي تضم الأجداد والعمات والأعمام وأبناء وبنات العمومة وبنات الأخ والأخت وأبناء الأخ والأخت والأحفاد، كما ننتمي إلى عدة مجموعات أخرى تحددها المجتمعات التي نعيش فيها، والمدارس التي نرتادها، والمهن والتخصصات التي نزاولها، والمؤسسات التي نعمل لديها. ونحن نولد في أسرة ذات هوية عرقية معينة (أو خليط من الهويات العرقية)، وكل من هذه الهويات العرقية يتصل بإقليم جغرافي ولغة وتاريخ ودين وغذاء ومنظومة قيم ونمط ملبس معين.
3
أخيرا، نحن نعبر عن فرديتنا، ونشبع اهتماماتنا الشخصية الفريدة بالانضمام عمدا إلى واحدة أو أكثر من آلاف الجماعات التطوعية التي انتشرت في العصور الحديثة، ومنها الجماعات الدينية والأحزاب السياسية والمنظمات الخيرية والنوادي الاجتماعية والجمعيات المهنية المتعددة التي نشأت في مجالات العلوم والطب والتكنولوجيا والتجارة والرياضة والترفيه والفنون، وكل مجال آخر من مجالات السعي الإنساني.
لكل من هذه الجماعات البشرية المتعددة متطلبات للعضوية والتزامات محددة تطلب من أعضائها. لم يكن المجتمع البشري كما نعرفه ليوجد لولا الشغف الفطري لدى الرئيسيات بهوية الجماعة، وبالتضامن جنبا إلى جنب مع مرونة المجتمع الانقسامي الاندماجي؛ إذ تسمح لنا غريزة الهوية الجماعية بتكوين جماعات ذات تماسك كاف للتآزر مع شعور بالتضامن والعمل معا لتحقيق أهداف مشتركة. وتسمح غريزة الانقسام والاندماج لجماعات عديدة بالانتشار داخل مجتمع واحد، مع تعريف كل منها بطريقة مختلفة، وتلبية كل منها لمجموعة مختلفة من الاحتياجات الاجتماعية.
حين نتتبع تطور الإنسان الحديث وتطور مجتمعات بشرية متزايدة التعقيد، نرى كيف أتاحت مرحلة الاندماج من دورة الانقسام والاندماج لنوعنا صوغ أشكال جديدة من التضامن داخل جماعات بشرية متزايدة الحجم. تضم الأمم الحديثة والحركات السياسية آلاف أو ملايين الأعضاء، لم ولن يلتقي أغلب أعضائها، إلا أنهم يعرفون أنفسهم مجتمعين على أنهم ينتمون للجماعة نفسها ويعيشون في دائرة واحدة من الثقة.
لقد تميز تاريخ نوعنا في واقع الأمر بأنماط متزايدة الحجم من الاندماج، بدأت تظهر حين نشأت هويات قبلية لدى الصائدين جامعي الثمار، وتوسعت ثانية حين بدأ أفراد القبائل المختلفة يعيشون معا في قرى وبلدات ودول مدن، وتوسعت أخيرا لتبلغ حجمها الحالي حين تحولت آلاف من الدول المدن إلى نحو مائتي دولة قومية، حيث من المألوف أن يصل عدد أعضاء جماعتنا إلى ملايين وعشرات الملايين.
تزاوج الأباعد وحظر سفاح المحارم لدى الرئيسيات
رغم تضامن الجماعة المعهود في الرئيسيات - والعلاقات العدائية التي تنشأ بين مجموعات الرئيسيات - تتزاوج أغلب الرئيسيات بانتظام مع أفراد المجموعات المنافسة؛ إذ دائما ما يترك الحيوان المراهق من رتبة الرئيسيات جماعة أمه ويبحث بهمة عن صداقات وعلاقات جنسية مع أفراد جماعة أخرى، وينال القبول بصفته عضوا دائما في النهاية. يسمى هذا تزاوج الأباعد - أي «التزاوج من خارج الجماعة» - والذكور بين أغلب الرئيسيات هم الذين يغادرون جماعتهم الأصلية من أجل الانضمام لجماعة أخرى، وهذه هي الظاهرة المعروفة بتزاوج الأباعد الذكوري.
من ثم، أكثر أنواع جماعات الرئيسيات شيوعا تتكون من نواة أساسية من الإناث اللواتي تربطهن ببعضهن بعضا صلة قرابة كأمهات وأخوات وبنات. تقضي هؤلاء الإناث حياتهن كلها معا، ويألف بعضهن طبائع بعض، ويبحثن معا عن الغذاء، ويتشاركن بعض أطفالهن معا، وقد أنشأن منذ زمن طويل تسلسلا هرميا اجتماعيا مستقرا يعزز التعاون والعلاقات السلمية داخل المجموعة.
نامعلوم صفحہ