بلا قيود
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
اصناف
لكن خلال المليون سنة الماضية لم ترتفع تركيزات ثاني أكسيد الكربون عن 300 جزء في المليون خلال الفترات بين الجليدية، أو تنخفض لأقل من 180 جزءا في المليون خلال الفترات الجليدية. ومع ذلك، خلال الفترة القصيرة التي بدأت منذ مائتي سنة، أدى استخدام البشر للوقود الحفري إلى رفع مستويات ثاني أكسيد الكربون إلى 400 جزء في المليون - بنسبة 33 في المائة من حدوده القصوى السابقة - وما زال هذا الارتفاع مستمرا في التسارع. وهذا يعني أن الارتفاع الحالي في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لن يؤخر قدوم العصر الجليدي التالي فحسب، بل قد يمنع بالفعل حدوث عصر جليدي آخر من الأساس.
من المهم أن ندرك أن مخاطر تغير المناخ العالمي ليست مقتصرة على آثار الاحترار العالمي فقط. في الواقع، إذا عاد عصر جليدي آخر مشابه للأخير، ستنحدر صفائح جليدية ضخمة يبلغ سمكها مئات الأقدام وتزن مئات مليارات الأطنان ببطء من المناطق القطبية؛ لتسحق كل شيء في طريقها. ورغم أن هذه العملية ستستغرق عشرات آلاف السنين - وهي مدة تفوق تاريخ الحضارة البشرية بأكمله عدة مرات - فإن الآثار المدمرة لعصر جليدي جديد ستكون غير مسبوقة.
في أمريكا الشمالية ستؤدي عودة الصفائح الجليدية القطبية إلى تدمير دولة كندا بالكامل تماما، وتتوغل إلى الولايات المتحدة القارية لتطمر معظم ولاية مينيسوتا وكلا من ولايات ويسكونسن وميشيجان وأوهايو بالكامل، والمناطق الشمالية من ولايات إلينوي وإنديانا وبنسلفانيا، ونيو إنجلاند بالكامل جنوبا وصولا إلى مدينة نيويورك. وستندثر تحت مئات الأقدام من الجليد مدن فانكوفر وكالجاري ووينيبيج وتورنتو وأوتاوا ومونتريال وكيبك وسياتل ومينيابوليس وسانت بول وشيكاغو وكليفلاند وكولومبوس وبافالو وألباني وبورتلاند وبوسطن وهارتفورد ونيويورك، بالإضافة إلى آلاف المدن والبلدات المجاورة. في أوروبا سيلحق دمار تام بالدول الاسكندنافية كلها، ومعظم الجزر البريطانية، وأجزاء كبيرة من ألمانيا وبولندا وروسيا، أما مدن دبلن وبلفاست وجلاسكو وإدنبره وأوسلو وستوكهولم وكوبنهاجن وهلسنكي وبرلين ووارسو وسانت بطرسبرج، بالإضافة إلى آلاف المدن والبلدات المجاورة الأخرى، فستمحى كلية من الخريطة.
بالإضافة إلى ذلك ستكون هناك خسارة فادحة في الأراضي الزراعية في جميع أنحاء العالم؛ فسوف تمتد أراضي التندرا القاحلة الخالية من الأشجار والتربة الصقيعية جنوبا من الصفائح الجليدية القطبية حتى وسط الولايات المتحدة القارية لأقصى الجنوب حتى نيو مكسيكو، وستنتشر التندرا في جميع أنحاء أوروبا حتى الجنوب وصولا إلى إسبانيا والبرتغال. وجنوبا من التندرا ستغطي الغابات الدائمة الخضرة جنوب أوروبا، ومعظم كاليفورنيا، وجميع المناطق باستثناء أقصى جنوب الولايات المتحدة. ومن المعلوم أن التندرا وبيئات الغابات الدائمة الخضرة غير قادرتين على دعم الزراعة البشرية.
علاوة على ذلك، سيكون من الصعب أو المستحيل نقل الإنتاج الزراعي إلى أقصى الجنوب؛ لأن الاستنزاف الهائل لمياه الغلاف الجوي سيجعل صحاري العالم تنمو بدرجة أكبر بكثير عما هي عليه اليوم. فسوف تتوسع الصحراء الكبرى حتى تغطي أكثر من نصف القارة الأفريقية ، وتتوسع صحراء آسيا الوسطى من بحر قزوين شمال إيران الحالية لتجتاز آسيا وصولا إلى المحيط الهادئ. وفي الوقت نفسه سوف تتقلص الغابات المطيرة المدارية في وسط أفريقيا وحوض الأمازون إلى جزء صغير من حجمها الحالي. وبما أن كميات كبيرة من مياه الأرض ستتجمد في شكل جليد قطبي، فسوف تنخفض مستويات سطح البحر في جميع أنحاء العالم ثلاثمائة قدم عن مستوياتها الحالية، تاركة كل المدن الساحلية على الأرض عالقة على بعد عشرات - أو مئات - الأميال من مياه البحار المفتوحة.
هذه هي الظروف الفعلية التي كانت سائدة أثناء العصر الجليدي الأخير منذ ثمانية عشر ألف عام فقط، وهو ليس ببعيد جدا حتى في التاريخ القصير نسبيا للأنواع البشرية. قبل ثمانية عشر ألف عام كانت ثقافات العصر الحجري القديم العلوي تستخدم بالفعل أشكالا متطورة من التواصل الرمزي - منها الفن والموسيقى واللغة والنقوش الحجرية والقصص السردية التي ابتكرها الإنسان الحديث - وكان النتوفيون ومعاصروهم أخذوا يستقرون بالفعل في القرى الدائمة التي نتج عنها في نهاية المطاف الثورة الزراعية.
وفي حين يساورنا القلق المبرر بشأن مخاطر الاحترار العالمي والتأثير المدمر الذي سيحدثه في مجتمعاتنا المعاصرة، لا بد أن ندرك كذلك أن فترة أخرى من التبريد العالمي الشديد - وعودة عصر جليدي آخر - ستشكل جدا تهديدا أكبر بكثير على الحضارة الإنسانية. في الواقع، من الممكن تماما أن يحول إطلاق المجتمعات الصناعية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي دون عودة عصر جليدي آخر ربما كان لولا ذلك ليعود في المستقبل القريب. ونظرا لأن المستويات المرتفعة من ثاني أكسيد الكربون تسبب تغييرات كبيرة في كيمياء المحيطات، فإن آثار الاحترار العالمي قد تستمر إلى ما لا نهاية تقريبا، وقد تمنع عودة المزيد من العصور الجليدية لمئات الآلاف من السنين في المستقبل.
21
لا بد أن نعترف أيضا بأن الحملة المستمرة بين أكثر دول العالم تقدما للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو خفضها، وخاصة ثاني أكسيد الكربون، قد تسببت في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في هذه الدول في السنوات الأخيرة. والواقع أن الارتفاع المستمر في حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم يرجع الآن في الأساس إلى النمو السكاني - والترف - في دول العالم النامية، وخاصة الصين والهند.
علاوة على ذلك، حقق المجتمع الحديث تقدما بالغا في تطوير مصادر طاقة جديدة خالية من الكربون، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومن الحري ألا ننسى أنه قد مر قرابة قرن بعد اختراع أول محرك بخاري «جوي» لنيوكومين في عام 1712م قبل إنتاج المحركات البخارية الترددية الآمنة والعملية بكميات كبيرة من أجل الأسواق التجارية، وأن الأمر استغرق خمسة وسبعين عاما من التجارب قبل أن يصير محرك الاحتراق الداخلي الآمن والمتين جاهزا للسوق.
نامعلوم صفحہ