123

بلا قيود

بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية

اصناف

غير أن هذا لم يوهن عزيمة بابيج؛ فأقدم على تصميم آلة حاسبة أكثر تعقيدا أسماها المحرك التحليلي، وتعرف بوجه عام بأنها أول كمبيوتر حقيقي في العالم. فعلى عكس محرك الفرق، الذي كان قادرا على الحسابات الرياضية فقط، ضم المحرك التحليلي أغلب الوظائف الأساسية التي تعد ضرورية في أجهزة الكمبيوتر الحديثة اليوم؛ فقد كان يمكن برمجته باستخدام بطاقات مثقوبة، وكان يستطيع تخزين معلومات في شكل ذاكرة، وكان قادرا على منطق التفريع. لكن لو أن المحرك التحليلي كان قد صنع لصار ضخما لدرجة يستعصي معها تشغيله بطاقة البشر؛ لذلك خطط بابيج لاستخدام محرك بخاري لتشغيل آلاف عجلات وتروس المحرك التحليلي (انظر شكل

9-1 ).

شكل 9-1: كان «محرك فرق» تشارلز بابيج أكثر الآلات الحاسبة تطورا في زمنه. وقد صممت هذه النسخة عام 1849م، وبنيت في متحف لندن للعلوم عام 1989م. (الصورة مصرح بنشرها بموجب رخصة جنو للوثائق الحرة إصدار 1,2 ورخصة المشاع الإبداعي غير الموطن الإصدار 3,0 التي تقتضي نسب المصنف لصاحبه والترخيص بالمثل.)

لكن للأسف لم يصنع أي من محرك الفرق أو المحرك التحليلي قط في حياة بابيج، إلا أن متحف العلوم في لندن نفذ فكرته أخيرا عام 1949م، باستخدام مجموعة من الرسوم التي وضعها بابيج عام 1889م من أجل صورة محسنة من محرك الفرق. وقد اشتغل محرك الفرق الخاص ببابيج على أفضل نحو؛ لينتهي بهذا قرن من التكهنات عما إن كانت آلاته العجيبة قادرة فعليا على أداء العمل المرجو منها أم لا. وفي عام 2010م أطلق مهندس البرمجيات البريطاني جون جراهام كامينج حملة لجمع مائة ألف جنيه إسترليني من العامة، وصنع نموذجا عمليا للمحرك التحليلي من أجل الذكرى المائة والخمسين لوفاة بابيج في أكتوبر عام 2021م. لكن لا بد من تصميم نموذج على الكمبيوتر أولا، وحتى وقت كتابة هذه السطور لم يكن التنفيذ قد بدأ فعليا بعد.

1

رغم أن أجهزة الكمبيوتر الآلية الخاصة ببابيج لم تكن قادرة قط على أداء عمل نافع، فإن مبدأه المتعلق باستخدام الآلات لأداء حسابات رياضية شديدة التعقيد على نحو يستعصي على البشر أداؤها دون أخطاء، كان في حد ذاته حدثا عظيم الأهمية؛ فقد حرر بابيج ومعاصروه البشرية من قصور العقل البشري كوسيلة حسابية، وبدءوا عصرا جديدا قائما على تقنية جديدة جذريا لمعالجة المعلومات.

آلات قادرة على التفكير

في عام 1890م واجه مكتب الإحصاء بالولايات المتحدة مشكلة لوجيستية خطيرة؛ فنتيجة للنمو السريع في عدد سكان الولايات المتحدة كانت جدولة البيانات التي جمعت في الإحصاء تستغرق وقتا طويلا، حتى إنه بحلول وقت نشر النتائج كان الإحصاء يصير قديما على نحو لا يجدي نفعا؛ فلم تصبح نتائج إحصاء عام 1880م التي جدولت يدويا جاهزة للنشر حتى عام 1888م. وتوقع مكتب الإحصاء أنه في حال استمرار الجدولة يدويا لن تكون نتائج إحصاء 1890م الأكبر حجما والأكثر تعقيدا متاحة قبل ثلاثة عشر عاما. وهذا سيؤجل نشر إحصاء عام 1890م حتى عام 1903م، بعد ثلاث سنوات من إتمام الإحصاء التالي الذي سيجرى عام 1900م. لذلك كان مكتب الإحصاء بحاجة لآلة قادرة على أداء كم هائل من الحسابات الرياضية على نحو أسرع وأدق وأكثر موثوقية من التي يستطيع أي عدد من الأدمغة البشرية أداؤه.

في محاولة جريئة لحل مشكلة مكتب الإحصاء، صنع المهندس الأمريكي هيرمان هوليريث حاسبة جدولة تستخدم آلة تثقيب في صنع رزم من البطاقات المثقوبة تستطيع آلته قراءتها أوتوماتيكيا. أثارت آلة هوليريث ضجة حين نجحت في جدولة نتائج إحصاء عام 1890م في عام واحد. هكذا أقدم هوليريث على إنشاء شركة «تابيوليتنج ماشين كومباني»، وأخذ يؤجر آلاته للدول في أنحاء أوروبا لجدولة إحصاءاتها. وفي عام 1911م اندمجت شركة «تابيوليتنج ماشين كومباني» مع ثلاث شركات أخرى، وفي عام 1924م تغير اسمها إلى «إنترناشونال بيزنس ماشين كومباني»، المشهورة باسم «آي بي إم».

كانت آلات هوليريث جميعها أجهزة ميكانيكية ذات حافظات ذاكرة آلية. ورغم أن المهندس الألماني كونراد تسوزه صنع كمبيوترا قابلا تماما للبرمجة في مرحلة مبكرة عام 1939م، إلا أن حساباته كانت تؤدى عن طريق مرحلات كهروميكانيكية، وكان نظام ذاكرته ما زال ذا طبيعة آلية. ولم يبدأ عصر الكمبيوتر الكهربائي كلية حتى عام 1946م، مع إزاحة الستار عن المكامل والحاسوب الرقمي الإلكتروني، أو إنياك، الذي ركب في جامعة بنسلفانيا سرا أثناء الحرب العالمية الثانية من أجل الجيش الأمريكي.

نامعلوم صفحہ