بداية المسرح التسجيلي في مصر: مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجا
بداية المسرح التسجيلي في مصر: مسرحية الأزهر وقضية حمادة باشا نموذجا
اصناف
سادسا: التجاهل:
قام حسن مرعي في مسرحيته بتجاهل بعض الأمور المهمة التي حدثت في قضية اعتصاب طلاب الأزهر. ومن هذه الأمور: استقالة شيخ الأزهر الشيخ حسونة النواوي، فقد أفردت الصحف صفحاتها لملابسات هذه الاستقالة، وأوضحت أن الشيخ عقد مجلس الأزهر الأعلى تحت رئاسته أثناء سفر الخديوي في سياحة بالصعيد، وأعلن الشيخ إعادة الطلبة إلى الأزهر؛ حيث إنه سيقنع الخديوي بالعفو عنهم عند عودته. ولما عاد الخديوي، أصر على عدم العفو إلا بعد أن يوقع كل طالب معتصب على طلب عفو واسترحام من الخديوي، يقر فيه بأنه كان معتصبا. وأمام هذا التعنت من قبل الخديوي، قدم الشيخ استقالته، وعبثا حاول الأعيان والعلماء والرأي العام رد الاستقالة بعد ذلك.
111
وهذه الأمور الخاصة باستقالة حسونة النواوي تجاهلها المؤلف في مسرحيته مطلقا. وربما السبب في ذلك راجع إلى أن المؤلف أراد أن يوجه مسرحيته نحو قضية اعتصاب الطلاب دون أن يوجهها إلى أية قضية أخرى، خصوصا وأن الطلاب كانت تجمعهم رابطة روحية كبيرة بهذا الشيخ، وذكر موقف استقالة الشيخ ربما يحيد بقضية الاعتصاب عن غرضها الأساسي، وهو إبرازها بوصفها قضية إنسانية اجتماعية سياسية عامة، لا قضية شخصية تختص بفرد أو بأفراد بأعينهم.
بالرغم من ذلك، فقد قام المؤلف برسم الشخصية الفنية لحسونة النواوي في المسرحية بما يتناسب مع صورتها الواقعية في بعديها الاجتماعي والنفسي، وذلك عندما قال الشيخ للوزراء أثناء تباحثهم في أمر الاعتصاب، وأثناء وجود القوة العسكرية بالأزهر: «وهل تودون سعادتكم إبقاء هذه القوة بمنظرها البشع وشكلها المرعب في ذاك المعهد لحين حضور الجناب العالي؟ أفيما بكرة وعشية تستحيل كعبة الإسلام الثانية طللا مقفرا، ويعود أكبر معهد علمي على المسلمين في شرق الأرض وغربها موصدا هامدا، ويخلى من أساطين الدين وحماة اللسان المبين، وحملة العلم من قديم السنين، ويشرد منه ورثة الأنبياء، فيتبدل الأنس وحشة، وتنسخ آية الخذلان آية الفتح، ويتفرق في يوم أو بعض يوم ما جمع في عشرة قرون؟ أفيما بين غدوة وأصيل يتحول المسجد الأكبر ميدانا تصادم فيه القوات العسكرية دعاة السكينة والسلم، وحملة القرآن والعلم؟ أفيما بين صباح ومساء يمعنون في الأزهريين تنكيلا وتكبيلا، فتتفرق بتفرقهم أجزاء القوة العظمى الدينية التي كانت تعمل للخير العام؟ ... أما في قلوب الناس رحمة للناس؟ اللهم لا سبيل إلى العداء؛ فقد جل الخطب! ... فيا للرحمة بالأزهر والأزهريين!»
112
ومن أمثلة التجاهل أيضا عدم تعريج المؤلف على نهاية أحداث اعتصاب الطلاب، وبالتحديد ما نتج عن قيام خليل حمادة باشا بضرب الطلاب في الأزهر من إثارة للرأي العام، وتحويل الأمر إلى النيابة، التي حققت مع الباشا باعتباره متهما، وإنهاء التحقيق بحفظ أوراقه. وربما يظن القارئ أن المؤلف أنهى كتابته المسرحية قبل هذه الأحداث، بدليل أن آخر مشهد في المسرحية كان ضرب حمادة باشا للطلاب، وإصدار أمره بدخول العسكر إلى الأزهر.
113
هذا بالإضافة إلى أن المسرحية مؤرخة في مارس 1909 كما جاء على غلافها.
114
نامعلوم صفحہ