بدائع عصر البطالمہ
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
اصناف
العبادة التي كان يباشرها الأغارقة على الشعائر الإغريقية، فإما أن يقوم بها أفراد مستقلون، بأن يشيد الواحد منهم مذبحا أو محرابا للملك أو المملكة، وإما من طريق جمعيات تتخذ الملك أو الملكة معبودا، فيحل أحدهما محل أحد المعبودات التي تعكف الجمعية على عبادتها. ومثل هذه العبادات الخاصة قد تتشكل في أي شكل يختاره المتعبد، كما أنه حر في أن يخلع على الملك أو المملكة - موضوع العبادة - أي لقب أو نعت فيه، فيدعوه «المخلص» أو «المنعم» أو غير ذلك؛ مما يثبت به الطاعة والولاء له، من غير تقيد بالنعوت الرسمية. (3)
العبادات التي نشأت كعبادة مدنية، وهي الخاصة بحكومات المدن الإغريقية التي كانت حرة اسما، كالإسكندرية وإفطولمايس، أو المدن الإغريقية الخاضعة لسلطان بطلميوس في الخارج، أو كحكومات أثينا ورودس، عندما تريد أن تضفي التشاريف على حكام مصر. (4)
عبادة الإسكندر: وهي العبادة التي أقامتها الحكومة البطلمية كشعيرة رسمية لمصر جمعاء. وكان لها كل سنة كاهن رئيس، يعين بدء السنين لتأريخ الصكوك الرسمية. ولم تؤسس في حكم بطلميوس الأول عبادة رسمية ثابتة توجه إلى الملك الحاكم يتعبد بها الأغارقة خاصة. هذا برغم أن بطلميوس كان يعبده أفراد من الأغارقة، بله مدن إغريقية.
ويروى عن ديودورس أن أهل رودس أرادوا أن يظهروا لبطلميوس ما تكنه صدورهم لهم من شكران، بعد أن فشلت محاولة «دمطريوس» في أن يفتح مدينة رودس عنوة سنة 304، فأرسلوا بعثا إلى واحة سيوه؛ ليسأل هاتف آمون: أيشير على الرودسيين بأن يكرموا بطلميوس باعتباره إلها؟ فلما أجاب الهاتف بالإيجاب، شيدوا في مدينتهم محرابا قائم الزوايا أوقفوه عليه، وأقاموا على جانبيه عمدا بطول «إستاديوم» (164) وسموا هذا المحراب «إفطولمايوم» (165).
ويقول «فاوزنياس» (166): إنه من ذلك الوقت أضفى الرودسيون على بطلميوس - باعتباره إلها - ذلك اللقب الذي عرف به من بعد في التاريخ، فلقبوه «سوطر»؛ أي المخلص. ولكن نقشا محفورا، يثبت لاتحاد جزر «قوقلادس» خطر السبق إلى عبادة بطلميوس كإله. وكان بطلميوس - كما تقدم - قد بسط على تلك الجزر ضربا من الحماية سنة 308ق.م وإذا ثبت أن الإهداء الذي أمرت أرسنوية بإثباته، وذكرناه قبلا، يرجع تاريخه إلى فترة تقع بين 308 و306ق.م؛ فذلك مما يثبت أن بطلميوس كان قد لقب «بالمخلص الإله» قبل أن يفقد سلطانه على بحر أيغا، بهزيمته في سلاميس وقبل أن ينتحل لقب «الملك». وإنا إذ نرى أن أحد أفراد أسرته قد نعته بالألوهية، نثق بأن رجال الحاشية في الإسكندرية قد فعلوا مثل ذلك. وفي نقش طبعت صورته حديثا، أن الثلاثة من الأغارقة كرموا الملك بطلميوس والملكة برنيقية على أنهما إلهين مخلصين؛ وفاء لنذر نذروه جزاء النجاة من خطر أحدق بهم. •••
في سنة 285ق.م شعر بطلميوس بأن الوقت الذي ينصب فيه وريثه للعرش قد حان. وكان شيخا بلغ الثانية بعد الثمانين، وقد سلخ جلها في مخاطرات فذة، منذ أن هجر سكنه في البلقان شابا صغيرا، فقاد الجحافل للجلاد إلى جوف آسيا، ومن فوق تلال الأفغان، وعلى ضفاف أنهر الهند، وتزوج من أميرة فارسية في «سوسه». وانتهى به الأمر أن يكون فرعونا للمصريين، وإلها للأغارقة. وأعقب أولادا كثرا من زوجاته وحظاياه المختلفات. وكانت أول زوجاته المعروفات «أرتقاما» (167) الأميرة الفارسية، وقد تزوج منها في ذلك العرس التاريخي العجيب، الذي أقيم مهرجانه في «سوسه» سنة 324ق.م؛ إجابة لرغبة الإسكندر في أن يتخذ عدد كبير من ضباطه المقدونيين والأغارقة زوجات فارسيات. غير أننا لا نسمع عن «أرتقاما» من بعد ذلك شيئا، ويرجح أن بطلميوس قد نبذها بغير جلبة عندما غادر بابل إلى مصر بعد موت الإسكندر. وإذا صح هذا فإن فعلته هذه تكون على النقيض من سلوك صديقه سلوقوس، وقد احتفظ بزوجته «أفاما» (168) الفارسية، التي تزوج منها في «سوسه» وظلت معه، فكانت جدة ملوك الأسرة السلوقية والجدة الأولى من طريق زيجة ملكية وقعت في المستقبل لآخر سلالة ملوك البطالمة وملكاتها: من كان منهم باسم بطلميوس، ومن كانت منهن باسم إقليوفطرا.
ولم يمض على موت الإسكندر غير بعيد حتى تزوج بطلميوس من «أورديقية»، ابنة الشيخ «أنطيفاطروس»، الذي كان ملكا على مقدونيا. وربما كان ذلك قبل اتفاقية «إتريفاراديسوس» (169)، سنة 321؛ فاستولدها ابنان، كان أحدهما - ويرجح أنه الأكبر - يدعى بطلميوس، وابنتان هما «إفطولمايس» (170) و«لوسندرا» (171). أما إذا كان بطلميوس لم يتزوج منها قبل سنة 321، كما يظن «مهفي»، فإنه مما يبعد أن تكون قد أنجبت منه أكثر من أربعة أولاد؛ لأن بطلميوس لا بد من أن يكون قد تزوج من «برنيقية» قبل سنة 316. اللهم إلا أن يكون بطلميوس قد استولد الأولى، بعد أن تزوج من الثانية.
في تلك السنة (316ق.م) تزوج بطلميوس من «برنيقية» زواج حب، وكانت سيدة مقدونية قدمت مصر في ركاب «أورديقية» (172)، وكان لها ثلاثة أولاد من زوج سابق.
26
والذي نعرفه أن بطلميوس استولدها طفلين: أرسنوية، وقد ولدت سنة 315 على الأكثر؛ لأنها تزوجت من «لوسيماخوس» حوالي سنة300، وابن سمي بطلميوس على اسم أخيه من أبيه، ولد في «قوص» لما كان أسطول أبيه حاكما بأمره في بحر «أيغا». والظاهر ترجيحا أن «فيلوطيرا»، كانت نجيبة بطلميوس وبرنيقية (173)؛ اعتمادا على ما نعرف من المركز الاجتماعي الذي شغلته فيما بعد.
نامعلوم صفحہ