بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Averroes d. 595 AH
74

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

ناشر

دار الحديث

ایڈیشن نمبر

بدون طبعة

پبلشر کا مقام

القاهرة

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَاجِعٌ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْلِهِ ﵎: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] هَلْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ؟ . وَالسَّبَبُ الثَّانِي: تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْآثَارِ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ. وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، هَلْ تِلْكَ الْعِلَّةُ الْمَفْهُومَةُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَوِ النَّهْيِ، قَرِينَةٌ تَنْقُلُ الْأَمْرَ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ، وَالنَّهْيَ مِنَ الْحَظْرِ إِلَى الْكَرَاهَةِ؟ أَمْ لَيْسَتْ قَرِينَةً؟ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْمَعْقُولَةِ وَغَيْرِ الْمَعْقُولَةِ؟ وَإِنَّمَا صَارَ مَنْ صَارَ إِلَى الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَعْقُولَةَ الْمَعَانِي فِي الشَّرْعِ أَكْثَرُهَا هِيَ مِنْ بَابِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ، وَهَذِهِ فِي الْأَكْثَرِ هِيَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، فَمَنْ حَمَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] عَلَى الثِّيَابِ الْمَحْسُوسَةِ قَالَ: الطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ، وَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْكِنَايَةِ عَنْ طَهَارَةِ الْقَلْبِ لَمْ يَرَ فِيهَا حُجَّةً. وَأَمَّا الْآثَارُ الْمُتَعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهَا حَدِيثُ صَاحِبَيِ الْقَبْرِ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُهُ فِيهِمَا ﷺ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ» فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ; لِأَنَّ الْعَذَابَ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْوَاجِبِ، وَأَمَّا الْمُعَارِضُ لِذَلِكَ فَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ﵊ مِنْ أَنَّهُ رُمِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ سَلَا جَزُورٍ بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ فَلَمْ يَقْطَعِ الصَّلَاةَ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةً كَوُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ لَقَطَعَ الصَّلَاةَ، وَمِنْهَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ كَانَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ، فَطَرَحَ نَعْلَيْهِ، فَطَرَحَ النَّاسُ لِطَرْحِهِ نَعْلَيْهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ﵊ وَقَالَ: " إِنَّمَا خَلَعْتُهَا ; لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهَا قَذَرًا» . فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنَ الصَّلَاةِ. فَمَنْ ذَهَبَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَذْهَبَ تَرْجِيحِ الظَّوَاهِرِ قَالَ إِمَّا بِالْوُجُوبِ إِنْ رَجَّحَ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِالنَّدْبِ إِنْ رَجَّحَ ظَاهِرَ حَدِيثِ النَّدْبِ، أَعْنِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقْضِيَانِ أَنَّ إِزَالَتَهَا مِنْ بَابِ النَّدْبِ الْمُؤَكَّدِ) . وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، سَاقِطَةٌ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ فَرْضٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلٌ

1 / 82