البداية والنهاية

ابن کثیر d. 774 AH
77

البداية والنهاية

البداية والنهاية

ناشر

مطبعة السعادة

پبلشر کا مقام

القاهرة

اصناف

تاریخ
عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ أُمِرَ أَنْ يَهْبِطَ إِلَيْهَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ٢: ٦١ الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ٢: ٧٤ الْآيَةَ. وَفِي الْأَحَادِيثِ وَاللُّغَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ قَالُوا وَلَا مَانِعَ بَلْ هُوَ الْوَاقِعُ أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ كَانَتْ مُرْتَفِعَةً عَنْ سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ ذَاتِ أَشْجَارٍ وَثِمَارٍ وَظِلَالٍ وَنَعِيمٍ وَنَضْرَةٍ وَسُرُورٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ٢٠: ١١٨ أَيْ لَا يُذَلُّ بَاطِنُكَ بِالْجُوعِ وَلَا ظَاهِرُكَ بالعرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى ٢٠: ١١٩ أَيْ لَا يَمَسُّ بَاطِنَكَ حَرُّ الظَّمَأِ وَلَا ظَاهِرَكَ حَرُّ الشَّمْسِ. وَلِهَذَا قَرَنَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا وَبَيْنَ هَذَا وَهَذَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الملاءمة. فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا أُهْبِطَ إِلَى أَرْضِ الشَّقَاءِ وَالتَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالْكَدَرِ وَالسَّعْيِ وَالنَّكَدِ وَالِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ وَاخْتِلَافِ السُّكَّانِ دِينًا وَأَخْلَاقًا وَأَعْمَالًا وَقُصُودًا وَإِرَادَاتٍ وَأَقْوَالًا وَأَفْعَالًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ٢: ٣٦ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفًا ١٧: ١٠٤ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا لَمْ يَكُونُوا فِي السَّمَاءِ. قَالُوا وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْيَوْمَ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فَكُلُّ مَنْ حُكِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ السَّلَفِ وَأَكْثَرِ الْخَلَفِ مِمَّنْ يُثْبِتُ وُجُودَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْيَوْمَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ كَمَا سَيَأْتِي إِيرَادُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وقوله تعالى فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها ٢: ٣٦ أَيْ عَنِ الْجَنَّةِ فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ ٢: ٣٦ أَيْ مِنَ النَّعِيمِ وَالنَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ إِلَى دَارِ التَّعَبِ وَالْكَدِّ وَالنَّكَدِ وَذَلِكَ بِمَا وَسْوَسَ لَهُمَا وَزَيَّنَهُ فِي صُدُورِهِمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما. وَقال مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا من الْخالِدِينَ ٧: ٢٠ يَقُولُ مَا نَهَاكُمَا عَنْ أَكْلِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الْخَالِدِينَ أَيْ وَلَوْ أَكَلْتُمَا مِنْهَا لَصِرْتُمَا كَذَلِكَ وَقاسَمَهُما ٧: ٢١ أَيْ حَلَفَ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ٧: ٢١ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى ٢٠: ١٢٠ أَيْ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي إِذَا أَكَلْتَ مِنْهَا حَصَلَ لَكَ الْخُلْدُ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَاسْتَمْرَرْتَ فِي مُلْكٍ لَا يَبِيدُ وَلَا يَنْقَضِي وَهَذَا مِنَ التَّغْرِيرِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْإِخْبَارِ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَهُ شَجَرَةِ الخلد الَّتِي إِذَا أَكَلْتَ مِنْهَا خَلَّدْتَ وَقَدْ تَكُونُ هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الضَّحَّاكِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا شَجَرَةُ الْخُلْدِ) وَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ (وَحَجَّاجٍ عَنْ شُعْبَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ أَيْضًا بِهِ

1 / 77