برتراند رسل: مقدمہ قصیرہ
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
ومع ذلك، يطرح هذا الرد فعلا أسئلة عن العلاقة التي تربط الاستعمال بالمعنى. فإذا كان الاستعمال يشغل جزءا كبيرا من المعنى، فلا بد من أخذ الحقائق المتعلقة به في الاعتبار عند شرح كيفية عمل العبارات. والسؤال المتعلق بقدر الأهمية التي يجب أن نوليها للاستعمال من الأسئلة الخلافية؛ إذ تزعم إحدى وجهات النظر أنه يكاد يستنفد المعنى، وترفض وجهات نظر أخرى هذا الادعاء. تتطلب نظرية راسل أن نفكر في دلالات العبارات واستعمالاتها على أنهما موضوعان قابلان للفصل على أقل تقدير.
ولهذا السبب ولأسباب أخرى تتعلق أساسا بموضوع الإحالة المهم من الناحية الفلسفية - عن كيفية تأثير اللغة على العالم - تؤدي نظرية راسل التي تتناول الأوصاف دورا مهما في المناقشات المتعلقة بفلسفة اللغة. وهذه النظرية مهمة لأغراضنا الحالية باعتبارها مثالا للأسلوب التحليلي الذي طبقه على محاولاته لحل المشكلات التي كانت تعتري نظرية المعرفة والميتافيزيقا، كما سنرى الآن.
الإدراك والمعرفة
من أهم أسئلة الفلسفة السؤال التالي: ما هي المعرفة، وكيف نحصل عليها؟ أكد جون لوك ومن جاءوا بعده من أتباع المدرسة التجريبية أن أساس المعرفة المشروطة عن العالم يكمن في الخبرة الحسية؛ أي استخدام الحواس الخمس، بمساعدة أجهزة مثل مناظير الرؤية المقربة وما شابه ذلك، عند الضرورة. ولكن المدرسة التجريبية تواجه اعتراض الحجج المتشككة التي تهدف إلى إثبات أن مزاعمنا عن التوصل إلى المعرفة ربما كثيرا - بل ربما دائما - ما تكون غير مبررة، وتوجد أسباب كثيرة لذلك؛ فنحن أحيانا ما نرتكب أخطاء في الإدراك أو الاستنتاج، وأحيانا ما نحلم دون أن ندرك أننا نحلم، وأحيانا ما تضللنا حواسنا بسبب تأثير الحمى أو المشروبات الكحولية؛ فكيف يمكننا أن نتيقن أن ما نزعمه لم تضعفه أي من هذه العوامل، في كل مرة نزعم فيها معرفتنا بشيء ما؟
وضع راسل في كتاب «مشكلات الفلسفة» في عام 1912 أول محاولة منهجية للتصدي لهذه الأسئلة. وسأل راسل: هل توجد أي معرفة يقينية إلى حد يمنع أي إنسان لبيب من الشك فيها؟ ويجيب على ذلك بالإيجاب؛ ولكن يتضح أن اليقين أبعد ما يكون عن اليقين المطلق الذي يعززه الدليل.
على أساس الملاحظات المباشرة المتعلقة بالخبرة الإدراكية - فكرة أن طاولة مثلا تبدو وكأن لها ثلاثة ألوان وأشكال وملامس مختلفة، وذلك حسب تفاوتات توجد إما لدى من يدركها وإما في الظروف المحيطة بإدراكها - يمكننا أن نلاحظ أنه يوجد فارق بين مظاهر الأشياء وحقيقتها. كيف يمكننا أن نكون واثقين من أن المظهر يمثل بأمانة الحقيقة التي نفترض أنها تتوارى وراءه؟ بل قد يثار سؤال - كما تشير نقاط التشكك المتعلقة بالأحلام والأوهام - بشأن ما إذا كان من الممكن أن نكون واثقين من وجود أشياء حقيقية فعلا «وراء» خبراتنا الحسية أساسا.
للرد على هذه الأسئلة يستنبط راسل مصطلح «البيانات الحسية» لتسمية الأشياء التي نعرفها مباشرة عن طريق الحس؛ وهي أمثلة معينة تتعلق بالمعرفة الإدراكية للألوان والأصوات والنكهات والروائح والملامس، وكل فئة من المعلومات تقابلها إحدى الحواس الخمس. ويجب التمييز بين البيانات الحسية وبين أفعال الإحساس بها؛ أي إنها هي ما ندركه مباشرة عن طريق أفعال الإحساس. ولكن يجب أيضا - كما تبين الاعتبارات الواردة في الفقرة السابقة - التمييز بينها وبين الأشياء الموجودة في العالم خارجنا، تلك الأشياء التي نفترض أنها مترابطة؛ ومن ثم يكون السؤال المهم هو: ما هي علاقة البيانات الحسية بالأشياء المادية؟
ويأتي رد راسل على من يشكك في حقنا في ادعاء المعرفة بما يقع وراء نقاب البيانات الحسية، أو حتى حقنا في الظن بأن الأشياء المادية موجودة أساسا، فيقول إنه مع أن الحجج المتشككة لا تدحض على وجه التحديد، فإنه «لا يوجد أدنى مبرر» لافتراض أنها صحيحة (مشكلات الفلسفة، ص17). وتقوم استراتيجيته على جمع الاعتبارات المقنعة التي تدعم وجهة النظر هذه. في البداية يمكننا أن نسلم بأن خبراتنا القائمة على البيانات الحسية تتسم ب «يقين بدائي»؛ فنحن نقر بأننا حين نواجه بيانات حسية نعتبرها بطبيعة الحال مرتبطة بطاولة، مثلا، فإننا لم نقل كل ما يجب أن يقال عن الطاولة؛ فمثلا، نحن نظن أن الطاولة تظل موجودة حين نكون موجودين خارج الغرفة، ومن الممكن أن نشتري الطاولة ونضع عليها مفرشا ونحركها من مكان لآخر، ونفترض أن الآخرين يمكنهم إدراك الطاولة «نفسها». كل هذا يوحي بأن الطاولة شيء يسمو على البيانات الحسية التي تظهر لنا. ولكن لو لم يكن هناك وجود لأي طاولة في العالم، لكان لزاما علينا أن نصوغ فرضية معقدة تتعلق بوجود عدة طاولات ظاهرية مختلفة بعدد الأشخاص المدركين، وأن نشرح لماذا نتحدث كلنا وكأننا ندرك الشيء نفسه.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنه من وجهة النظر المتشككة - كما يشير راسل - لا ينبغي أن نعتقد بوجود أشخاص مدركين آخرين أيضا؛ فعلى كل، إذا لم نستطع دحض التشكك في وجود الأشياء، فكيف لنا أن ندحض التشكك في وجود عقولنا؟
ويتغلب راسل على هذه الصعوبة بتقبل صيغة مما يطلق عليه «الحجة التي تقود إلى التفسير الأفضل». ويؤكد أنه قطعا من الأبسط والأكثر تأثيرا بكثير أن نقر بالافتراض القائل بأنه؛ أولا: توجد أشياء مادية لها وجود منفصل عن خبرتنا الحسية، وثانيا: أنها تتسبب في قدراتنا على الإدراك؛ ومن ثم «تطابق» قدراتنا على الإدراك مطابقة موثوقة. ويرى راسل أن الإيمان بهذا الافتراض مسألة «فطرية»، وهو يتبع في ذلك الفيلسوف هيوم.
نامعلوم صفحہ