وذابت الحمرة القانية في وهج الشمس، وانهالت الأشعة على الكائنات. وسعى فوق الأرض باعة وعمال، وسرعان ما التمعت الحياة بقطرات العرق، وأكثر من صوت قال: يا له من يوم!
واشترى أحمد علبة البلمونت، ثم مال إلى التليفون على طاولة الدكان فأدار القرص: نادرة؟ .. صباح الخير. - ... - كلا، لم أذهب إلى المصلحة بعد، أنا أكلمك من دكان السجائر. - ... - فعلا، والطريق أشد حرارة، ولكنه جو مناسب لنزهة مسائية على شاطئ النيل؟ - ... - حسن، السابعة مساء عند جسر الجلاء.
ارتفعت الشمس وسط هالة ناصعة قاسية. واستكن الهواء في كينونة ثقيلة متخلفة، وقرص الذباب الخدود في بلاده، وتكتل كالسخام فوق صناديق القمامة. ونشرت الجماهير المتدفقة نحو محطة الباص الجرائد فوق الرءوس. وقال رجل: الفول يغلي في بطني!
فأجابه الآخر: إذن فكيف تكون الظهيرة؟
وخلف المحطة مباشرة تبدت جباه العمال العاكفة على صف الحروف من نوافذ بدروم المطبعة، وترامت أصوات الآلات بلا انقطاع.
وشابت القبة الباهتة صفرة كئيبة ضاربة في حواشيها إلى الاحمرار. ونزت الأرض رطوبة ساخنة، أما الهواء فاختنق برائحة كريهة كأنما يتنفس دخانا. وفي إدارة الحسابات أغلقوا النوافذ، ورشوا الأرض الخشبية الكالحة بالماء، وأضاءوا مصباحا واحدا، واستعملت الأضابير في التهوية، واتبعت نصيحة مجرب باحتساء الشاي الساخن. وقال المراجع الكهل: صدقوني لم تعرف البلاد حرا كهذا الحر. - مؤكد أن الحرارة جاوزت الأربعين. - أو الخمسين، نحن نحترق في الواقع.
ورفع المدير عينيه المظلمتين من هبوط القلب، وقلب في الوجوه نظرة خابية حاقدة، وقال: ستعود الإدارة بعد الظهر لإنجاز الميزانية.
أطبق الصمت فلم يناقشه أحد. وهمس كاتب: الحقود وجد فرصة للانتقام. - صبرك، لن يمتد به الأجل حتى منتصف النهار.
وفي الميدان ارتطم مقدم تاكسي بمؤخرة آخر عند إشارة المرور. وغادر السائق المتقدم مكانه ليعاين أثر الارتطام. مال فوق الفانوس الخلفي يسبقه شعر صدره المتلبد البارز بين شقي قميصه، وهو يجفف جبينه بكمه، ثم رمى السائق الآخر الذي لحق به بنظرة ملتهبة، فتمتم الآخر: وقف التاكسي فجأة فلم ...
فقاطعه بحدة: حطمت الفانوس.
نامعلوم صفحہ