فقال بجرأة أوضح: هنالك أكثر من طريق.
فقال المراقب بلا وعي تقريبا: هذا يورطني في تصرفات طالما عففت عنها.
وتبادلا نظرة انكسر لها قلب الرجل. تألم بلا حدود. إنه يسخر من تعففه ومن حياته جميعا.
ولم يعد يطيق رؤيته فقام مادا له يده. تصافحا ثم غادر الشاب الحجرة دون أن ينال وعدا صريحا، ولكنه بدا مطمئنا كل الاطمئنان. وارتمى على مقعده وهو يقول لنفسه إني مريض. ما بي هو مرض بكل معانى الكلمة. وعندما غادر الوزارة بسيارته لمح عبد الفتاح بموقف الأمس أمام محل الفول. وانعطف بالسيارة دون أن ينظر نحوه. غدا سيتبعه كظله وسيقع هو تحت رحمته. ودفع السيارة نحو أطراف المدينة بلا هدف، وكان تلفن إلى أسرته بأنه لن يعود قبل المساء. يجب أن يخلو إلى نفسه، وأن يبت في أمره بلا تردد ودون إبطاء. أيسقط في الهاوية أم لا؟ هل يسلم نفسه أسيرا مدى العمر أو يرى حلا آخر؟ وكان ينطلق بسرعة غير عادية، ويحاور الشاب طوال الوقت. أتحسب أنك ملكت كل شيء؟ أنا أقول لا فما أنت صانع؟ أجل نحن في الخلاء حقا، كورنيش النيل، ألا تحب هذا المنظر الخلاب؟ لعلك خائف، أرأيت؟ كان ينبغي أن أكون أنا الخائف لا أنت أليس كذلك؟ لا .. لن يفيدك الصراخ. مت كحشرة. وشدت قبضته على عجلة القيادة بقوة فظيعة. ستطرح هنا وحيدا بلا أدنى أمل. ولكن ما أسخف التخيلات! سيلقاك عبد الفتاح غدا ليسمع رأيك الأخير. وزاد من السرعة في شبه خلاء تام. رأيك الأخير. بالقبول مع الأسر أو الرفض مع الفضيحة. وفي الحالين لا يمكن أن تنسى كرامتك. ومن غير الله يمكن أن ينتشلك من مأزقك الخانق؟ ودعا ربه طويلا حتى اغرورقت عيناه. •••
ووقع حادث أسيف في طريق الكورنيش!
وقال المحزونون: جرى القضاء عليه، وهو يترقب سعادتين: ترقيته وزواج كريمته.
سوق الكانتو
غاص حسونة في سوق الكانتو متأبطا لفافة كبيرة من الورق. كانت شمس الصيف الحامية تلهب الجموع الحاشدة، وقد اصطفت على الجانبين عشرات من عربات اليد مثقلة بالملابس والأوعية والأواني والأدوات القديمة. قصد حسونة عربة رمضان، ولكن منعه من الوصول إليها سياج من الجلابيب والملاءات اللف، ولم يجد صياحه في اختراق هدير صاخب من أصوات النداءات والمساومة والسب. ورصده حتى التفت ناحيته، فصرخ بأعلى صوته: يا معلم رمضان!
انتبه الرجل إلى مصدر الصوت؛ فلوح له حسونة بذراعه صائحا: معي هدية!
وشق رمضان طريقه إليه بجهد قاس حتى بلغه، ثم سأله: بيع أم شراء؟
نامعلوم صفحہ