فضحك المدير قائلا: شعر جميل. أما المناسبة فسيئة جدا!
عند ذاك ضحك طاهر. شعر بأن الحمل فاق احتماله، وأن الدنيا لا شيء وراح ينظر في لا شيء. وحزن حزنا عميقا. ثم انفجر ضاحكا. وبادره أبوه فأخذه من يده ومضى به خارجا. وعند نهاية السهرة ناقش الوالدان مشكلة طاهر طويلا فاتفق رأياهما على أنها بحاجة إلى علاج حقيقي، ولكنهما رأيا أن الأوفق تأجيل ذلك إلى ما بعد الامتحان.
ويوما ارتفع صوت هدى في البيت وهي تنادي في شبه استغاثة صائحة: ماما .. تعالي انظري ماذا فعل طاهر! وهرع إلى حجرة الشاب كل من سمع النداء. رأوا الحجرة في أغرب منظر. منظر لا يخطر على بال إنسان. حشية السرير قد طرحت فوق المكتب، والكتب والأوراق قد صفت فوق خشب السرير. والصوان انعكس وضعه فالتصق بابه بالجدار. وقلبت المقاعد على ظهورها. وطويت السجادة الصغيرة ثم علقت بدوبارة بسلك المصباح الكهربائي. وندت عن الأم صرخة رثاء، وهتف الأب: كارثة .. كارثة وربي!
وسألوه جميعا عما فعل؟ وكان يقف وسط الحجرة هادئا وباسما، فلم يزد عن أن تساءل بدوره: ولم لا؟
وصاحت الأم: أنت تمزق قلبي.
فقال برقة: آسف على إزعاجكم.
فقال الأب بحسرة: غير معقول .. غير معقول. - لم لا يا بابا؟ كنت أقوم بتجربة، ولو أمهلتموني لكان ذلك عين العقل.
وغادر الحجرة إلى الفراندا، وتبعه والده، فوجده واقفا ينظر إلى السماء باهتمام بالغ. ونظر الرجل حيث ينظر، فلم ير شيئا فازداد انقباضا، ثم سأله برقة: أتعبت رقبتك، لم تنظر هكذا إلى السماء؟
وأهمله طاهر حتى كرر سؤاله مرتين، ثم قال بضجر: إني أحسدها على ما تنعم به من حرية!
فقال الأب محذرا: لكنها مستقر أدق نظام في الوجود، النظام الذي لا يخطئ.
نامعلوم صفحہ