الآن أنا في حاجة إلى سيجارة، ألا تلاحظ أننا لا نختلف وأنك لأول مرة توافق أن أدخن أمامك، لماذا كنا نختلف؟ لماذا كنت تصر وتلح أن أتنازل عن رأيي وأقبل رأيك، لماذا كنت دائما أتمرد؟ لماذا كرهتك في أحيان؟ لماذا تمنيت في لحظات أن تموت لأتحرر؟ مستحيل أن أكون نفس شخصي الآن الذي يدرك أنه حر الحرية الكاملة بوجودك معه، إلى جواره، موافقا على كل ما يفعل. •••
املأ يا فتى خزان البنزين إلى آخره، وضع زيتا أيضا، وافحص الإطارات، أجل، نحن على سفر، سفر طويل لو علمت كم يطول، هذه هي النقود، خذ، رائحة؟! رائحة البنزين على ما أعتقد؟ ماذا تقول؟ ميت؟! فلتمت أنت، أخل الطريق يا وغد، ولا أراني الله وجهك.
تصور السافل يظن أن معنا ميتا في حين ليس معي سواك، أمؤامرة هي بين رجل البوليس وعامل البنزين، مؤامرة طولها مائة كيلومتر؟ •••
لقد خدعناكم جميعا، أليس كذلك؟! ما أجمل أحيانا أن ينخدع بكلامنا الآخرون؟!
هذه المدينة فقدت العقل، أنى نذهب يفتح الناس أفواههم خلفنا دهشة، ويمدون عيونهم إلى آخر المدى يبصرون، قبل أن نصلهم أنوفهم تستنشق الهواء البعيد وتتشمم، بعد أن نغادرهم يسرعون خلفنا يصرخون: الجثة، تصور؟! يريدونك أنت الحي جثة يدفنونها، مستحيل، يقتلونني قبل أن يأخذوك، ففي أخذك موتي، في اختفائك نهايتي، وأنا أكره النهاية كما تعلم، أكرهها، أكرهها. •••
المدينة التالية هجرها سكانها قبل أن نصل، لا بد أن الرائحة كما يزعمون وصلتهم قبل أن نصل، جميل هذا جميل، يكفي أن تكون معي ليكون العالم كله معي، يكفي هذا وليهجر المدن سكانها، ولتحترق القرى والنجوع، يكفي أنك معي، أنت أنا، أنت تاريخي وأنا مجرد حاضرك، والمستقبل كله لنا، مستحيل أن أدعهم يأخذونك، يميتونك، يقتلونك. •••
يبدو أن هناك خطأ ما، فأنا في الحقيقة بدأت أشم الرائحة، لا، ليست رائحة حذائك وجوربك فلقد خلعتهما وألقيت بهما من النافذة، أنها أقوى من رائحة الربيع والزهر ومساء الصيف، أقوى منك، ومني، ربما أقوى من أي كائن حي.
عفوك، ولكني لم أعد أستطيع، الرائحة تخترق خياشيمي، وتتلوى مع تلافيف أنفي وعقلي وتكتم أنفاسي، والمرعب أنك أيها العزيز الغالي مصدرها، الناس من حولنا يهربون، كل الكائنات الحية، حتى الذباب، تهرب، من حولنا تهرب، أنا نفسي لم أعد أستطيع. •••
لا بد - حتى لو كنت أكرهها، وتكرهها أنت - من النهاية، ولا بد من أن أختارها أنا، صحيح لا قلب لي، لا عقل، لا إرادة، ولكن الرائحة أبشع من الموت، أموت ولا أشمها، وإذا شممتها أموت، أنفاسي تختنق، الروح بلغت الحلقوم، لم يعد هناك مناص، إما حياتي أو موتك، لم يعد هناك مناص، لا بد أن تنتهي أنت لأبدأ أنا. •••
ولقد تركتك، عامدا في الطريق تركتك، في العربة نفسها تركتك وتركتها لك قبرا ولحدا، وها أنا ذا أكملها وحدي، وعلى قدمي أسير، حزين للفراق تماما، ولكن، وهذا هو المؤلم، سعيد بالخلاص منك، سعيد أني تركتك وتركت العربة لك، سعيد أني حتى على أقدامي أسير، وأستنشق الهواء، الهواء النقي الذي ليس فيه أبدا تلك الرائحة الملعونة الغالية، رائحتك.
نامعلوم صفحہ