بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
اصناف
إن الموسيقى التركية - على الرغم من أنها شبيهة بالموسيقى العربية - لهي أحسن تنسيقا منها؛ لأننا نجد فيها على الأقل بعض الإيقاعات الموفقة الختام. فأحد الباشوات - وهو قائد عثماني مركزه الإسكندرية - كان يتكرم علي بإيفاد جوقته الموسيقية كل ستة أيام أو ثمانية، وهذا ما يمكنني من الحكم على الموسيقى عندهم لأنني عرفتها بنفسي.
إن جوقة صاحب الدولة تتألف من خمسة موسيقيين ومدير يرافقها دائما. أما آلات العزف فأربع فقط، وهي: السنطير الذي ينقف ويضرب بقضبان صغيرة، وقد نظمت أوتاره الوسطى بطريقة تؤدي بها أوتار الجهة الشمالية النغم الثامن موافقة لما تخرجه الجهة اليمنى.
والكمنجة، وهي مجهزة بستة أوتار تؤدي أربع درجات من السلم الموسيقي المعروف عندنا. ثم نوع من المزمار ذو نغم حلو يشبه البوق الإنكليزي. وأخيرا: دفان صغيران يخرجان - كما هي الحالة في أوروبا - النغم الخامس عوضا عن النغم الرابع، وهما ينقران برفق بأطراف الأصابع. أما الموسيقي الخامس فإنه يغني فقط ولا ينقر أية آلة.
1
كلما أتتني هذه الفرقة كان يبدأ مديرها بعبارات المجاملات من قبل مولاه. أما الموسيقيون فكانوا يجلسون بشكل نصف دائرة على الأرض وعلى رأسهم المدير.
إن آلات الطرب كانت مصلحة من قبل، ولدى إشارتي كانوا يبدءون بعزف مقطوعة متزنة الإيقاع، فتتبع إحدى آلاتهم اللحن المطلوب. أما الاثنتان الأخريان فكانتا في هبوط متواصل، تعزفان لحنا آخر. أما الدفان فكانا يتوقفان. وإذا اغتفرنا لهم بعض الخلل، قلنا إن عزفهم كان جميلا في بعض أقسامه. وبعد ذلك كانوا يبدءون بعزف لحن آخر فيشترك فيه الدفان الصغيران. وهنا كانت الأصوات وأنغام الآلات الموسيقية تقوم بجهود خائبة المسعى، فلا يطابق بعضها بعضا؛ فتدفع إذ ذاك أذناي المسكينتان اللتان تعودتا سماع موسيقى صحيحة ثمن المسرات التي تنعمت بها في أوروبا. وبعد مرور ربع ساعة على هذه الضوضاء المشوشة كان يتوقف الغناء وتظل الآلات تصدح، ثم يتوقف الدفان ليعودا إلى نغم مماثل للأول، وعند انتهاء هذه المعزوفة كان الموسيقيون يؤدون لي تحيتهم، وهكذا ينتهي المشهد الأول.
2
عند حدوث بعض الظواهر الجوية ترى الشعب بأسره يضج ويصخب، فإذا ما خسف القمر أو كسفت الشمس ترى سكان البلاد جميعا يصعدون إلى سطوح منازلهم يقرعون أوانيهم النحاسية، ويدقون الأجراس، ويطلقون عياراتهم النارية ليفزعوا الحوت الذي يهدد الكوكب بالابتلاع.
إن الموسيقى الأكثر انتشارا والأشد صخبا هي الموسيقى المؤلفة من مزامير وطبول ضخمة؛ فهذه تسمع في الأفراح العامة، والأعراس، ومولد الصبيان، وفي كل مناسبة يراد فيها إظهار الفرح. أشار أحد السائحين إلى أن المسلمين لا يلجئون إلى مثل هذه الموسيقى الصاخبة في جوامعهم، ثم علق على ذلك بقوله: لعلهم كانوا يخافون إزعاج الأب الأزلي.
3
نامعلوم صفحہ