بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
اصناف
قال السيد بوجولا: طفت في أثناء ثلاثة أرباع الساعة غابة الصنوبر التي صنع منها رفقاء البدو سلالمهم وحصونهم المتحركة، ومعدات الحرب الأخرى التي كانوا يستخدمونها في حصار المدينة.
3
ولكن لماذا يقول فولني: إن الأمير فخر الدين هو الذي غرس هذه البقعة صنوبرا ابتغاء تنقية «الهواء ما دام التاريخ يقول إن فأس المجاهدين الصليبيين القدماء تعرفت إلى صنوبر بيروت»؟
إن الجواب على ذلك - حسبما أرى - سهل جدا؛ لأنه يستنتج من السؤال نفسه؛ فالأمير فخر الدين اضطر إلى إعادة تشجير الغابة التي عزوا إليها تنقية هواء بيروت لأن المحاربين الصلبيين كانوا قد أبادوا قسما كبيرا منها.
وهتف السيد بوجولا وهو يتحدث عن الأشجار الأخرى في ساعة وحي حقيقية: «آه! هل باستطاعة المدينة - التي يهددون بها الشرق - أن تنتقي غير الأرز المسن هدفا لفتوحاتها؟ أيمكن العبقرية الصناعية المتعسفة، الهدامة، الشاعرية، أن لا تجتاح هذه الأشجار النفيسة لتباع أخشابها الثمينة في أسواق الغرب؟»
4
وإذا ما عدنا من الصنوبر إلى مصب النهر الذي تتألف منه تخوم حكومة بيروت، نجد جامعا صغيرا هو جامع الخضر الذي يزعم المسيحيون أنه بني في المكان الذي صرع فيه مار جرجس التنين.
5
وروى المؤرخون الأقدمون أن قد قامت هنالك - في المحل نفسه - كنيسة كانوا يشاهدون أعمدتها المنحنية قبل أن واراها الثرى. وإذا تجاوزنا شاطئ البحر من الجهة الشمالية وابتعدنا قرابة نصف ميل عن بيروت، نجد مغارة تتسع لإيواء أكثر من أربعماية شخص. وهذه المغارة جعلها التنين مأواه. وإذا تقدمنا نصف ميل آخر إلى الأمام، نجد كنيسة مار جرجس التي يجلها المسلمون والمسيحيون إجلالا كبيرا. إن كل تلك الآثار قد اندثرت بكاملها؛ فالكنيسة دكت أساساتها، والمغارة سد بابها بسبب بعض الانهيارات.
ولن أختم وصفي لضواحي بيروت دون أن أذكر المحجر الصحي «الكرنتينا» الذي لا يبعد إلا قليلا عن جامع الخضر؛ فهذا المحجر قد قام بإنشائه القناصل - عام 1834 - بما تيسر لهم؛ فاستطاع أن يقي سوريا طوال خمسة عشر شهرا من الطاعون الذي كان متفشيا في القسطنطينية، وأزمير، وقبرص، ومصر؛ هذه البلدان التي كانت تفد منها دائما سفن مشحونة بضائع وركابا.
نامعلوم صفحہ