بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
اصناف
إن الهدف الذي كان يرمي إليه الشرقيون - إذ يرغبون في حماية إفرنسية - لم يكن ينحصر فقط في التفتيش عن عضد يحميهم من التعديات، ولكنهم كانوا يرمون أيضا إلى التخلص من جميع التكاليف؛ لأنهم إذا لم يعتبروا من رعايا الذات الشاهانية سقطت عنهم الكلفة، ونعموا بالامتيازات التي يظفر بها الأوروبي؛ ولهذا كانت السلطة تعارض الحماية وكل ما يشبهها مما يعصم من التكاليف، ولم تكن تسلم بها إلا بشروط معينة، ولكن هنالك قناصل لم يكونوا يقفون عند هذه التخوم ، فيتاجرون على حساب مكانتهم بالسلطة الممنوحة لهم، فيوزعون المناصب الوهمية.
إن المحميين ينغمسون - كموظفي دور القنصليات - في تعاطي الأعمال الخطيرة دون أن يعوقهم عائق عن الحصول على المنافع التي تكسبهم إياها الحماية التي نالوها.
أما اليوم فقد عدلت السلطنة العثمانية عن إعطاء الإجازات التي كانت تجعل «الرؤساء» الموظفين في متاجرنا من ذوي الامتيازات، وحجتها أن الظروف قد تغيرت، وأنهم أصبحوا في مأمن من التعديات التي كانت تقع قديما، أما ما ترمي إليه من وراء هذه الحجة فهو إلزام الموظفين الرؤساء بدفع الضرائب المترتبة عليهم شخصيا، وإذا رضخنا لما تدعيه السلطنة العثمانية فسوف نندم؛ لأنه يستحيل علينا بعد ذلك أن نداعي بحقنا القديم.
هوامش
الفصل التاسع عشر
تجارة بيروت - أهميتها - الأساليب التي يجب أن تتبعها فرنسا في سبيل ازدهارها. ***
تتمتع مدينة بيروت في الخارج بشهرة تجارية حازتها بحق؛ فهي اليوم أكثر المدن السورية إنتاجا للمنتوجات الصالحة للأعمال التجارية. حبتها الطبيعة مرفأ أمينا، فأصبحت ملتقى سفن أقطار العالم الأربعة. ورثت هذه المدينة الأهمية التي أدركتها عكا ويافا وصيدا وطرابلس واللاذقية في مختلف العصور، ولم تعقها عن ذلك معارضة الباب العالي الذي ناهض دائما، لا بل منع ازدهار التجارة عن طريق بيروت؛ لأنها كانت إقطاعة من الجبل.
وعندما أصبحت هذه المدينة تحت حكم السلطان المباشر، لم يجرؤ الأوروبيون قط على الإقامة فيها؛ لأنها كانت خاضعة للجزار المشهور بكرهه للإفرنسيين الذين أخرجهم من ولايته.
أنشئت أولى مؤسسات بيروت في أثناء الحرب البحرية، على عهد سليمان باشا الذي أنسى الناس ظلم سلفه، وأعاد الاطمئنان إلى سوريا.
فأخلاق هذا الوزير المتناهية في الحلم والوداعة شجعت «الرؤساء» كثيرا؛ فلم يجدوا أية صعوبة في الاستقرار بهذه المدينة؛ إذ رأوا فيها حصنا أمينا نظرا لقربها من الجبل.
نامعلوم صفحہ