استعاد نفسه ... مظهره، حين كان يركض غير فزع على رأس ركب وفي مؤخرته، منفلتا في حنكته من تلك القبضة - القفازية - التي لامست كتفه الأيسر، إلا أنه انفلت مطلقا ساقيه للريح بشكل أدهش الجميع، خاصة حين تحول ركضه إلى نوع من التزلق الدافع إلى المقدمة، دون أخطاء كثيرة مفضية إلى الاصطدامات والإيقاع بالآخرين، يده على شنبر منظاره، والأخرى قابضة على الجريدة التي بداخلها سندوتش السجق الزيتي، لا تلين.
قام من فوره ملقيا ببقايا أكله، منحدرا نازلا عن الأحجار، مجهدا ومجاهدا في تذكر أقرب الطرق إلى حيث مسكن الفتاتين، متحسسا في لهفة من تذكر شيئا يهمه، إن لم يكن اليوم فغدا، تحسس عنوان فتاة الجنوب القصيرة المهجرة التي التقى بها في الملهى القبرصي.
الفصل السابع
ما إن دق جرس الباب - وكان له صوت الصلاصل اليونانية والإيجية الشعبية - حتى أحس المهاجر من فوره بالإظلام الذي عم عين الباب السحرية، وسط ظلام الطرقة المديدة الموحشة.
تسمر في مواجهة العين محاولا الابتسام غير البعيد عن التوسل فترة طالت إلى حد أنه عاد يجاهد في أن يتعرف الوقت في ساعته الفسفورية، وهاله أنها تقارب الرابعة صباحا.
أعاد طرق الجرس ووصله همس طويل مصحوب بحدة تمادت إلى حد العنف والضراوة، تبعتها صرخات الاستغاثة المكتومة التي سرعان ما خالطها صدى أشياء تتهشم وتوجعات انتهت إلى الضراعة الكاملة، والعواء المفضي في كل الحالات إلى الصمت المطبق.
فتح الباب كمثل شق ضنين عن جسد الأخت الصغرى الجهمة، بينما اندفعت الأخرى الأقل حجما تتوارى هنا وهناك، مطلة برأسها الصغير الدقيق المكفهر من تحت الكنب، وأغطيته، نافذة كمثل جرذ بشري إلى ما خلف ستائر الشرفة الزيتية، مطلة بعينيها الخرزيتين التركوازيتين.
أشارت له العالية بالدخول وهي تجذبه بامتهان جلي من كتفه الأيسر: ادخل.
تحاشى نظراتها وتحرشها الاصطناعي، وهي الفتاة الصغرى التي لا يخلو مظهرها وسلوكها اليومي في وضح النهار من الحياء والتناسق، أما الآن على هذا النحو الضاري.
تحاشى من فوره عينيها، وأفخاذها السمراء الوردية المتناسقة وهي تضع - بتحد تبدى في عيني الأخت الكبرى الضئيلة التي كانت لحظتها منكمشة في افتعال واضح، إلى جانب انثناءة جدار بالقرب من ألسنة النيران - نيران الفحم المتوقدة داخل الموقد المرتفع النحاسي.
نامعلوم صفحہ