بين الجزر والمد
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
اصناف
ولو أردنا تطبيق هذه الكلمة على كتابنا في مصر لاستطعنا أن نجد من يمثل رأي جماعة أو يوضح اتجاه نزعة، ولكن لا يمكننا أن نجد من يتكلم بجميع مطالب عصره.
ورغم ذلك فإن الصوت المتغلب الآن في الآداب العربية هو صوت الاستياء والتبرم والدعوة إلى الإصلاح، تعتلج النفوس العواطف والمؤثرات، فتثور رواقدها فإذا بين الجيل الجديد والجيل الذي سبقه هوة. هذا يريد أن يسيطر بعدد الأعوام، ولكنه لا يستطيع القيادة والهداية في تيه المشاكل، فإذا بالجيل الجديد شيخ يشعر بالمسئولية مع اعترافه بأن الجيل السابق أدى كل ما كان في مقدوره.
لقد تبوأ منابر الأدب فتية لا عهد لهم بالجيل الماضي - يقول الأستاذ عباس العقاد في مقدمته لديوان المازني - «ونقلتهم التربية والمطالعة أجيالا بعد جيلهم، فهم يشعرون شعور الشرقي، ويتمثلون العالم كما يتمثله الغربي. وهذا مزاج أول ما ظهر من ثمراته أن نزعت الأقلام إلى الاستقلال، ورفع غشاوة الرياء، والتحرر من القيود الصناعية»، «إن كان هذا العصر قد هز رواكد النفوس وفتح أغلاقها، فلقد فتحها على ساحة الألم»، «وهو العصر طبيعته القلق والتردد بين ماض عتيق ومستقبل مريب، وقد بعدت المسافة فيه بين اعتقاد الناس فيما يجب أن يكون وبين ما هو كائن.» «نحن في عصر التردد والاستياء، ولا بد لهذا الاستياء أن يأخذ مداه ويطلع على كل نقص في أحوالنا، حتى إذا تمكن من النفوس فحركها إلى العمل، وعاد عليها العمل بالرضى؛ فلا ينسى الناس يومئذ فضل شعر الضجر والاستياء.»
والأستاذ المازني يضرب على هذا الوتر بعد صدور ديوانه بأعوام، فيقول في مقال جديد: «قضى الحظ أن يكون عصرنا هذا عصر تمهيد، وأن يشتغل أبناؤه بقطع هذه الجبال التي تسد الطريق، وبتسوية الأرض لمن يأتون من بعدهم. ومن الذي يفكر في العمال الذين سووا الأرض ومهدوها ورصفوها؟ من الذي يعنى بالبحث عن أسماء المجاهدين الذين أدموا أيديهم في هذه الجلاميد؟»
والدكتور هيكل يتكلم في إحدى مقالاته عن «الألم المعنوي» الذي يعذب، وهو أقسى من الألم المحسوس.
وهذه الشكوى تجدها في أكثر آثارنا شعرية كانت أم نثرية، والشجعان بين أبناء هذا الجيل هم الذي ينسون المشاكل التي تحرجهم ولا سلطان لهم عليها، فينظرون إلى ما يحيط بهم، وسواء كانوا من أنصار القديم أو الحديث؛ فإنهم يعمدون إلى الإفادة والنفع والتنشيط؛ ينسون الاستياء والتفطر ما استطاعوا، ولا يذكرون إلا أن مسئوليتهم كبيرة، وإن البلاد في حاجة إليهم، فيعملون.
لذلك كانت ميزة الأدب العصري في أنه لم يبق منزويا أو محدودا في الفرد، بل تناول فروع الحياة القومية شاعرا بأنه وهذا الجمهور واحد، وإنما المسئولية تعود على اللبيب؛ لأنه أشد من الجمهور شعورا بالألم والحاجة وضرورة العمل.
هذه حالنا عموما، يا مسيو فانبير، وهي أشبه ما تكون بحالة الجيل الجديد في الغرب مزيج من ألم وقلق وثورة إصلاحية.
نشعر بمشاكلنا الداخلية، ونعرف اشتباكها بمشاكل العالم، فنحاول الهرب إلى ما يصلح الأحوال، ولكن خيال الألم لا يغيب.
زواج الشرقيين بالغربيات
نامعلوم صفحہ