بين الجزر والمد
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
اصناف
حاشية
وهكذا في رسالة وحاشيتها علي أن أجابه العلم في شخص الدكتور صروف، والصحافة في ... صرحها المذكور أعلاه، والتاريخ في شخص حسين أفندي لبيب أستاذ التاريخ في مدرسة «القضاء الشرعي»، فقد أنكر علي حضرته قولي: إن إحدى الفوائد التي أخذت مصر تجنيها بعد جلاء الفرنسويين هي بدء تكون «القومية»؛ لأنه يرى أن «فشو روح القومية واستفحال الرأي العام مظهر من مظاهر رقي الأوروبيين في القرن التاسع عشر.»
لقد غنمت من كتابات الأستاذ، لا سيما من كتابه عن «المسألة الشرقية»، فوائد تاريخية جمة؛ لذلك أقول: إني لو كان لي الحظ أن أكون من تلاميذه لكنت اجترأت أن أسأله في «حصة» اليوم أو بعدها، ما إذا كان الرأي العام الأوروبي قد اشترك اشتراكا أصح كثيرا من اشتراك «الرأي العام» المصري على عهد محمد علي، في جميع الحوادث التاريخية العصرية.
أهو «الرأي العام» الإنجليزي الذي يبايع ملوك إنجلترا، مثلا؟ أم هي فئة من الموظفين والكبراء تقوم بإتمام العادة المرعية والتقليد المستحكم في مكان معين من عاصمة إنجلترا، فيعد سكوت الجماهير في إنجلترا وفي المستعمرات الشاسعة مبايعة وتسليما؟
هذه صورة «الرأي العام» في ما هو عادة وتقليد، فما هي صورته في الانقلابات الخطيرة؟ أهو «الرأي العام» الذي أوجد الجمهورية في الولايات المتحدة، وأوجدها في أمريكا المتوسطة والجنوبية؟ أهو «الرأي العام» الذي دعا إلى الجمهورية الفرنساوية الأولى والثانية والثالثة؟ أهو «الرأي العام» الذي قلب الحكومة الروسية؟ يقال: إن ألمانيا لو استفتيت اليوم لغلب فيها الحزب القيصري، ورغم ذلك فأفراد قلائل يديرون دفة الجمهورية فيها، ويوم يتكلم التاريخ سيحدثنا عن «ثورة» أمريكا وفرنسا وروسيا وألمانيا فنحذق ما يقول؛ لعلمنا أن كل انقلاب يبدأ دواما برأي أخص أي: رأي فرد، يصير بعدئذ رأيا خاصا أو رأي أفراد أو زعماء يسيطرون على «الشعب» بنفوذهم أو بالاستهواء أو بالإرهاب، ويتكلمون باسمه، وهو أحب ما عليه أن يذكر ويحسب في الوجود، في حين لا مقدرة له على التدقيق والتمحيص. وإذا وجد في «الرأي العام» بعض العناصر المتبصرة المدركة أليس معظمه مسيرا معالجا كآلة تدفع فتصيح، ثم تجذب فتصمت؟ وسيكون ذلك أبدا لأنه يستحيل ترقية جميع الناس إلى مستوى واحد.
فلماذا لا يجوز لمصر التعبير المستعمل في البلدان الأخرى لأحوال متشابهة؟ وتلك الأقلية التي انتبهت سواء عن استياء من حكومتها، أو طمعا بمصلحة خاصة، أو بإيعاز من محمد علي، لو لم تنتبه لمقدرتها على إزعاج المماليك ترى أكانت تزعجهم فتغلبهم ثم تلاشيهم؟ وأكان محمد علي ينجح وحده كما نجح بأعوانه؟ وتلك الحلقة التي التأمت يومئذ حول الوالي وأيدته فكانت النواة الأولى في تكوين الوحدة المصرية الحديثة؛ أي الأسماء نطلق عليها سوى اسم «القومية» الآخذة في التكون؟
هذا، وإني لأرجو الأستاذ الجليل أن يظل «واقفا لنا بالمرصاد» في سبيل تحري الصواب في الوقائع التاريخية ما أمكن؛ لأنه بذلك يتم واجبه العلمي وينيلنا الفائدة المطلوبة.
الشعر القصصي الحماسي
1
أستاذي الدكتور العلامة
نامعلوم صفحہ