بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
اصناف
ونستطيع أن نقول من الآن بأن فيلسوف الأندلس لم يعتد بالدين وحده دون العقل، ولا بهذا وحده دون ذاك، بل حاول - مثله في هذا مثل كثير من سابقيه وممن أتوا بعده في العصر الوسيط والعصر الحديث - أن يسلك طريقا وسطا، وذلك ببيان أن كلا من الحكمة والشريعة في حاجة إلى الأخرى، وأن لكل منهما ناسها وأهلها، إلى آخر ما سنراه له من ضروب التوفيق بينهما، وهذا معناه أنه اختار في هذه العلاقة الوضع الذي يختاره كل مؤمن بالدين وقيمة العقل والفكر معا.
والآن بعد هذا العموم ندخل في التفصيل، وذلك بذكر أن فيلسوف الأندلس قد صدر في بيان تلك العلاقة عن هذه المبادئ: (1)
الشريعة، أو الدين، توجب التفلسف. (2)
الشريعة لها معان ظاهرة للعامة، وأخرى باطنة للخاصة، ومعنى هذا وذاك وجوب التأويل أحيانا ولبعض الطبقات من الناس. (3)
وضع قواعد خاصة بتأويل النصوص. (4)
تحديد مدى قدرة العقل، والصلة بينه وبين الوحي.
وقد انتهى ابن رشد من ذلك كله إلى أن الحكمة والشريعة أو الفلسفة والدين، أختان ارتضعتا لبانا واحدا، وأنهما يتعاونان في إسعاد البشر، ونحن نتناول كلا من تلك المبادئ بالبحث كما رآه فيلسوف قرطبة.
ومن الخير أن نذكر هنا أننا سنعرض آراء ابن رشد في هذه النقط واحدة بعد واحدة، أما الصلة بين ما ذهب إليه فيها وبين ما ذهب إليه الذين تناولوها بالبحث قبله أو بعده، فستكون موضع دراسة خاصة في فصل خاص يجيء في الترتيب بعد هذا الفصل، على أننا قد نشير في هذا الفصل إلى بعض هذه المقارنات في أثناء البحث. (1) الشريعة توجب التفلسف
بدأ فيلسوفنا بالتدليل على أن الشريعة (القرآن والحديث) توجب النظر الفلسفي، كما توجب استعمال البرهان المنطقي، لمعرفة الله تعالى وموجوداته، وساق لهذا وذاك دليلا من القرآن، وهو قوله تعالى (سورة الحشر 59 / 2):
3
نامعلوم صفحہ