بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
اصناف
هذا، والفارابي عرف بتركيز الفكرة والإيجاز في التعبير عنها، فلعل مما يعين على فهم نظرية النبوة أن نقتبس القليل من عرض الغزالي لهذه النظرية في كتابه المشهور «تهافت الفلاسفة»، ثم من عرض ابن ميمون، وهو جد ثقة في الفلسفة الإسلامية وفيما كان لرجالها من آراء،
26
لها في كتابه «دلالة الحائرين»، فذلك كله تعبير صادق عن نظرية النبوة لدى الفارابي وابن سينا وابن رشد أيضا ، ومن ذلك نعرف تماما الفرق عند فلاسفة الإسلام بين النبي والفيلسوف؛ ولهذا خطره في مسألة التوفيق بين الوحي والعقل.
يذكر الغزالي عن الفلاسفة المسلمين أن النبي إنسان بلغت قوته المتخيلة الغاية من القوة، ولم تستغرقها الحواس، فاستطاعت أن تطلع في اليقظة والنوم على اللوح المحفوظ، وانطبعت فيها صور الجزئيات الكائنة في المستقبل، ويكون ذلك معجزة للنبي، كما بلغت قوته العاقلة النظرية الكمال أيضا، فصار قوي الحدس، بمعنى سرعة الانتقال من معلوم إلى آخر من غير حاجة إلى تعلم، بل يكون كأنه متعلم من نفسه، ويعتبر هذا معجزة أيضا ولكن من نوع آخر.
وكذلك أخيرا بلغت قوته النفسية والعملية حدا تتأثر بها الأمور الطبيعية وتتسخر له، فكما أن نفس الإنسان تؤثر في جسمه وتؤثر في نفوس غيره إذا كانت هذه القوة النفسية العملية قوية فيه، كذلك إذا بلغت هذه القوة درجة الكمال صار من الممكن أن تخضع لها أمور الطبيعة، ويكون ذلك من النبي معجزة له من ضرب ثالث.
حتى إنه إذا تطلعت نفسه إلى هبوب ريح أو حدوث زلزلة أو نزول مطر، وذلك موقوف حصوله عادة على حدوث برودة أو سخونة أو حركة في الهواء، يحدث ذلك من نفسه وتتولد منه تلك الأمور من غير سبب طبيعي ظاهر، على أنه يشترط أن يكون هذا الذي يحدث ممكنا في نفسه، لا مستحيلا كقلب العصا ثعبانا أو انشقاق القمر الذي لا يقبل الانخراق والانشقاق.
27
هكذا يذكر الغزالي ويذكر ابن ميمون من بعده
28
أن النبوة هي في الحقيقة فيض من الله بواسطة العقل الفعال على القوة العاقلة أولا، ثم على القوة المتخيلة ثانيا، وهي أعلى درجة وأكمل رتبة من الكمال يستطيع أن يصل إليها إنسان.
نامعلوم صفحہ