بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
اصناف
وذلك لأن الإنسان لم يخلق عبثا، بل خلق لغاية جليلة يعتبر تحقيقها بأفعاله ثمرة وجوده في الدار الدنيا، فلا بد إذن من أن يؤدي حسابا عما عمل في سبيل هذه الغاية.
وكذلك؛ من الناس من يحيا في هذه الدار الدنيا حياة لا يجد فيها من السعادة ما يكافئ فضيلته وأعماله الخيرة، ومن الناس من هم في متعة من اللذات والخيرات مع بعدهم عن الفضيلة، فلا بد إذن من حياة أخرى، بعد هذه الحياة التي يشقى فيها الفاضل وينعم الرذل الشرير، يجد فيها كل إنسان من الجزاء ما يكون كفاء ما عمل من خير أو شر في هذه الحياة الحاضرة.
ولهذا وذاك كان الاتفاق في هذه المسألة، مسألة المعاد والجزاء، يرتكز على ما جاء به الوحي وقامت عليه البراهين الضرورية عند الجميع، وفي ذلك يقول الله تعالى (سورة المؤمنون: 115):
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون
ويقول (سورة النجم : 39-41):
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى .
لم يجد ابن رشد إذن أي عناء في التدليل على مبدأ المعاد، وإنما الذي بذل فيه جهده هنا هو بيان أن هذا المعاد وما يتبعه من ثواب أو عقاب سيكون روحانيا لا جسمانيا أيضا كما يرى المتكلمون، وإثبات هذا بطريق يناسب الخاصة والعامة حسب المبدأ الذي أخذه على نفسه في كتابه «كشف الأدلة».
وهذا المجهود الذي بذله ابن رشد في بيان رأيه ورأي أسلافه فلاسفة الإسلام في هذه المسألة، وفي التدليل عليه سيكون الحكم له أو عليه في الفصل التالي الخاص بالخصومة بينه وبين الغزالي، وإنما طريقتنا هنا كما في سائر المسائل التي تقدمت في هذا الفصل، هي عرض رأي فيلسوف الأندلس وتدليله عليه كما أراد، ومقارنته برأي بعض أعيان المتكلمين وبالأخص إمام الحرمين وخريجه أبو حامد الغزالي. •••
ذهب المتكلمون إلى أن بعث الأجسام ثابت بالسمع وجائز عقلا مع هذا، أما السمع ففي القرآن كثير من الآيات التي تثبته، ومنها قوله تعالى (سورة يس: 78-79):
وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم .
نامعلوم صفحہ