فرفعت المرأة رأسها في غطرسة وقالت: بعدك! ... لست كمن عرفت من النساء ... إن زبيدة معروفة ولا فخر بعزة النفس ودقة الاختيار.
فبسط السيد راحتيه على صدره ونظر إليها في تحد مشرب باللطف، وقال بطمأنينة: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان. - من أين لك بهذه الثقة وأنت لم تختن بعد بشهادتك؟
فقهقه السيد طويلا حتى قال: لا تصدقي يا ختونة ... وإن كنت في شك ...
ولكمته في منكبه قبل أن يتم جملته فأمسك، ثم أغرقا في الضحك معا، وسر بمشاركتها إياه في ضحكه، وحدس وراء ذاك - بعد ما جرى بينهما من تلميح وتصريح - لونا من الجهر بالرضا ثبتته في وعيه بسمة دلال سالت بطرفها المكحول، وراح يفكر في أن يحيي هذا الدلال بتحية تليق به لولا أن قالت له محذرة: لا تحملني على مضاعفة سوء الظن بك.
فأعاده قولها إلى تذكر ما رددته عن القيل والقال، وسألها باهتمام: من الذي حدثك عني؟
فقالت باقتضاب وهي تلحظه بنظرة اتهام: جليلة!
وفجأه الاسم كأنه عاذل يطرق مجلسهما، فابتسم ابتسامة دلت على حرجه. جليلة، تلك العالمة المشهورة التي عشقها دهرا حتى فصل بينهما الشبع، ثم عاشا وما زالا على مودة متبادلة على البعد، بيد أنه كخبير بالنساء لم ير بدا من أن يقول في لهجة صادقة: لعنة الله على وجهها وصوتها معا! ... (ثم متهربا) ... دعينا من هذا كله ولنتكلم في الجد.
فتساءلت متهكمة: ألا تستحق جليلة كلمة أرق وألطف؟ ... أم هذا شأنك عند ذكر من قطعتهن من النساء؟
وداخل السيد شيء من الحرج إلا أنه ذاب في موجة الزهو الجنسي التي أثارها في نفسه حديث عشيقة جديدة عن عشيقة ولت، وأخذ مليا بنشوة ظفر حلوة ثم قال بلباقة معهودة: لا يسعني وأنا بمحضر من هذا البهاء أن أغادره إلى ذكريات طويت ونسيت.
وبالرغم من أن السلطانة حافظت على نظرتها التهكمية، إلا أنها استجابت للثناء كما بدا في رفع حاجبيها ومداراتها لابتسامة خفيفة اندست إلى شفتيها، ولكنها خاطبته بازدراء قائلة : لسان تاجر يسخو بالحلاوة حتى ينال غرضه. - لنا الجنة نحن التجار بما يظلمنا الناس.
نامعلوم صفحہ