بين دین اور علم
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
اصناف
1
فمضوا ثابتي اليقين بما جاء في التوراة من إشارات في أن الأرض كانت عند خلق العالم مغطاة بقبة صلبة القوام - أو «قبة زرقاء» - وأضافوا إلى ذلك ما عثروا عليه في سفر أشعياء والمزامير، والتي جاء فيها أن السماوات منتشرة «كستار» أو «كخيمة يعيش فيها الأحياء»، إذن فالكون عبارة عن منزل، أسفله الأرض وعرشه القبة الزرقاء التي يعلق فيها الواحد القهار الشمس لتحكم النهار، والقمر والكواكب لتحكم الليل. وأما السقف أو العرش فعبارة عن أرض سفلى لطابق أعلى فيه صهريج، يقول فيه أحد ثقاة اللاهوتيين إن شكله يقارب شكل «حوض الحمام» المعروف، ويحتوي على المياه التي هي كائنة من فوق القبة الزرقاء. أما تلك المياه فقد تنصب على الأرض بيد الله وملائكته من «نوافذ السماء» فتكون مطرا، رذاذا أو مدرارا. ولقد رجعوا في حركة الشمس إلى الاستشهاد بمقطوعات كثيرة في سفر التكوين، مزجوها بالغيبيات الميتافيزيقية مزجا تختلف نسبته، وظنوا بأن مجموع ما استمدوا من التوراة والإنجيل كاف لأن يثبت بأنصع برهان وأقوى دليل أن الأرض لا يمكن أن تكون كروية الشكل.
في القرن السادس انتهى ذلك التفصيل بما يصح أن يعتبر نظاما كاملا في حقيقة الكون، مستمدة أسسه من نصوص التوراة والإنجيل. كان واضع هذا النظام الراهب المصري قد «قوزماس إنديكو بليوستيس»
Cosmas Indico Pleustes
والحقيقة أن مصر قد ظلت نبعا فياضا ينضح بمختلف الآراء اللاهوتية التي انتحلتها كثير من الديانات القديمة. والواقع أن «قوزماس» قد نجح في أن يلزم الكنيسة الأولى تلك المعتقدات المصرية العتيقة التي بثت في تضاعيف الكهنوت المصري في حقيقة العالم، كما ألزم الكنيسة كاهن مصري آخر هو «أتناسيوس»
Athansius
المصري فكرة الأقانيم الثلاثة المندمجة في خالق واحد، يحكم نظام الكون كله.
قال «قوزماس» بأن الأرض عبارة عن معين منبسط، تحيط به بحار أربعة. ويبلغ أربعمائة يوم سفرا طولا ومائتي يوم عرضا، وفي حدود هذه البحار الأربعة الخارجية تقوم جدران عظيمة هائلة الحجم، تحوي كل ذلك البناء الكبير وتحمل من فوقها تلك القبة السماوية، وقد ثبتت أطرافها إلى أعلى الجدران بمادة فيها صفة الالتصاق.
قام هذا النظام على طريقة التفكير اللاهوتية وعلى العلم اللاهوتي، وظن أنه أحكم نظام وصل إليه العقل الإنساني، وأنه أكثر النظم انطباقا على حقائق التوراة والإنجيل. ولقد أيقن قوزماس وغيره من مفسري عصره بأن حقائق الإصحاح التاسع من رسالة العبرانيين
2
نامعلوم صفحہ