وكانت أنيقة في ذلك اليوم بهذا الإيشارب الأحمر الذي كانت تلفه حول عنقها.
وعبرنا الكوبري ونحن نتبادل حديثا تافها، وظللنا سائرين في شارع «الخديوي إسماعيل» (وكان اسم التحرير لا يزال جديدا) حتى وصلنا ميدان الأزهر. ومن الميدان بدأت لورا تقودني خلال شوارع جانبية غريبة لم أكن قد رأيتها قبلا؛ فالعمارات التي فيها عمارات مبنية كلها على الطراز الإيطالي أو الفرنسي ومتشابهة، وتحس أن القاطنين فيها كلهم أجانب وكأنها حي كامل من روما أو أثينا نقل بقدرة قادر ووضع في قلب القاهرة.
وقلت لها: وجدت المكان؟
وابتسمت لي ابتسامة من تقول: وهل في هذا شك؟
ونظرت لها وهي تبتسم، ولاحظت - رغم قلة الضوء - أن في وجهها نمشا خفيفا، وأن عينيها عسليتان في لون شعرها تماما.
وأمسكت يدها ووضعتها في ألفة بين جنبي وذراعي، ووضعت يدي الأخرى في جيب بنطلوني، وتركت لي يدها تماما، ومشينا.
وكانت تمشي بسرعة وعجلة وحماس مضطرب كحماس صبيان المدارس الثانوية، ولاحظت فعلا أن في تصرفاتها كلها آثارا من تصرفات صبيان المدارس الثانوية.
والواقع أن إمساكي بذراعها لم يأت صدفة. كنت أريد أن أجهز نفسي وأبدأ أحس أنها امرأة. كنت أريد أن أداوي نفسي لا بالتي كانت هي الداء، ولكن بصورة أخرى شديدة الشبه بالتي كانت هي الداء، بسانتي؛ فسانتي من لحظة أن عرفتها كانت بالنسبة إلي امرأة ومشكلة ؛ ولهذا ظلت علاقتي بها معقدة حافلة بالالتواء والمتناقضات. امرأة وزميلة ومتزوجة وتحب زوجها، ولا أكاد أعرف حتى إن كانت تعيرني اهتماما يذكر أم إن اهتمامها بي ما هو إلا صدى لاهتمامي بها.
ولو لم أكن أومن ببعض المبادئ والأخلاق لهان الأمر، ولاقتحمت سانتي بنفس الجرأة التي يقتحم بها الرجل العادي امرأة عادية. ولو كنت كامل الإيمان كامل الأخلاق لضربت صفحا عن هذه العلاقة من أولها، ولاستطعت الانتصار على «ضعفي»، ولما جاءت المرأة أو المشكلة، كنت أسمح لنفسي إذن بالمضي في الطريق مع سانتي، وأنا لست راضيا عن نفسي ذلك الرضاء الذي يجعلني أنطلق معها كل الانطلاق.
ولست ساخطا على نفسي ذلك السخط الكفيل بأن أقطع معه علاقتي بها، وحلمي في أثناء هذا الطريق كان أن أعثر على بديل لسانتي، على فتاة أخرى أحبها بلا مشكلة، وأسعد معها بلا تأنيب ضمير.
نامعلوم صفحہ